معن البياري
عجيبٌ من محمد حسنين هيكل، وهو الكاتب الكبير بحق، أَنْ يرى قرار الرئيس محمد مرسي قطع علاقات مصر مع سوريا (مع النظام السوري على الأَصح) كارثيّاً، ولا يملك مرسي اتخاذه، لأَنَّ أَيَّ رئيسٍ لا يملك أَنْ يتجاوز حدود الأَمن القومي، والذي بحسب هيكل، يستندُ إلى العلاقة بسوريا، وهذه “لا تقبل المناقشة”. ومع تثمينٍ واجبٍ للرؤية القومية التي تصدر عنها هذه القناعة، يُطلُّ سؤالٌ جوهري عن أَيِّ سوريا يجب أَنْ يستند الأمن القومي لمصر على العلاقة معها، هل هي التي يُقيم فيها “نظامٌ دمويٌّ وغير شرعي، واستمر أَكثر مما يجب، ومستبدٌ ومحكومٌ عليه تاريخياً”، على ما وصفه هيكل نفسُه في مقابلةٍ مع “الأَهرام”، قبل أَكثر من عام؟.
يُرمى السؤال هنا، مع انتباهٍ إِلى أَنَّ السلطات المصرية تتيحُ كل ما في وسعِها من تسهيلاتٍ لإقامات مئات آلاف السوريين الذين يتقاطرون إِلى مصر، هرباً من الجحيم المعلوم الذي تسبَّب به النظام الذي استحقَّ بجدارةٍ ما نعته به هيكل، وقال بشأنه، أَيضاً، إنه “نظامٌ جاوز اللامعقول”. والملحوظ أَنَّ القاهرة صارت العاصمة العربية الأَهم لأَنشطة النخب السورية وملتقياتها وسجالاتها، بكل حرية، ولإبداعات فنانين وكتاب سوريين كثيرين، تيسَّرت لهم في مصر فرص الحضور والعطاء في التمثيل والغناء. كما تُتاح لأَبناءِ الجالية السورية الدراسةُ في المدارس المصرية بتسهيلاتٍ جيدة.
لم يقطع مرسي علاقات مصر مع شعب سوريا الجريح، وهي الأَولى بأَنْ تُحمى ويُحرص عليها، سيّما مع وجود نظامٍ، بديعٌ أَن محمد حسنين هيكل ليس معجباً به، ولا متحمساً لبقائه، على ما قال مرة. ولأُستاذ الأَجيال أَنْ يرى في قطع العلاقات السياسية والدبلوماسية مع هذا النظام، على شرورِه، خطأً في حساباتٍ سياسيةٍ آنيّةٍ، لكن ذلك لا يسوقُ إِلى اعتبار هذا القرار كارثياً. ونظامٌ يستسهلُ رمي متظاهرين من شعبِه سلميين طوال سبعة شهور بالرصاص، ثم يُطلق صواريخ سكود وميغ والبراميل المتفجرة كيفما اتفق على مدنيين ومسلحين، لا نحسبُ أَن صلةً به ترتبط بالأمن القومي لمصر.
وبديهيٌّ أَنَّ بشار الأسد الذي يتوَّهم أَنَّ قراراً منه بالتنحّي عن السلطة خيانةٌ وطنيةٌ ليس من طينة شكري القوتلي الذي ارتضى أَنْ يكون نائباً لرئيس الجمهورية المتحدة، جمال عبد الناصر، في الإقليم الشمالي إِبّان الوحدة المعلومة. وبديهيٌّ أَيضاً أَنَّ نظاماً يردُّ على اعتداءات إِسرائيل على أَراضي دولته ومنشآتها في افتتاحيات “البعث” و”تشرين” لا يمكن أَنْ يكون سنداً لأَيِّ أَمنٍ قوميٍّ لأي بلدٍ عربي، سيما لمصر.
في وسع الأُستاذ هيكل أَنْ يرى لدى الرئيس مرسي قراراتٍ كارثيةً، كفيلةً بإسقاط النظام، منها، كما قال، المعالجةُ المرتجلةُ لقضية السد الأثيوبي على النيل، لكن إِلغاء علاقاتٍ مع نظام دمشق، غير قائمة، ليس منها، ولا يستحقٌّ قرارٌ بالغ العادية مثل هذا، في سياقه وأَسبابه، هذا الكلام الكبير. والبادي أَنَّ هيكل، حين لا يرى سوريا سوى “ساحة في صراعٍ إقليمي، وبعض ما يجري فيها مقصودٌ به إيران هدفاً أَساسياً”، كما أَعلن مرة، فإِنَّ منظورَه هذا يتعامى عن متطلباتٍ ملحّةٍ يستحق الشعب السوري أَنْ تتوفر له لتحقيقِ أَشواقه إِلى التحرّر من نظامٍ أجاد هيكل في نعتِ سوءاته وعدم شرعيته، منها أَنْ تتعمّق عزلة هذا النظام، عربياً بالدرجة الأولى، ومصرياً خصوصاً، وهذه حدود ما بادر إِليه محمد مرسي، وليس أَكثر.