لميس أندوني
جريمة سحل وقتل أربعة من الشيعة في قرية مصرية، والأخطر التهليل لها في مواقع التواصل الاجتماعي، تنذر أن العالم العربي دخل الحرب الطائفية، وبالتالي مرحلة تقسيمات جديدة أسوأ من اتفاقية سايكس – بيكو، ونحن نتفرج، وبعضنا منا يشارك فيها، سواء بتسعير النعرات الطائفية، أو بالسكوت والاستهانة بأهمية الاصطفافات العصبوية.
لا تقتصر العصبوية الطائفية على جماعات سنية متطرفة، بل هناك قبول أوسع مما كنا نتصور لها، والعقلية الطائفية ليست محصورة "بالوهابية"، بل بكل الأحزاب والتيارات التي بنت هويتها على الفكر المذهبي سواء شيعية، أو مسيحية، كما شهدنا في فترة الحرب الأهلية في لبنان.
الاعتداء على الشيعة في الجيزة، تم في وضح النهار، وبمشاركة جماعية، تذكرنا باحتفالات دم في عصور ظلامية، لم ينقصها سوى الرقص على الجثث، وأناشيد وهمهمات يتم ترديدها لإعطاء صبغة روحية لجريمة قتل بشعة: ولا يمكن تسميتها بغير ذلك.
القتل الطائفي هو سقوط أخلاقي مريع، وطعنة في قلب أية ديانة أو مذهب تُرتكب الجريمة باسمها، ولا يهم في ذلك التبريرات الدينية أو السياسية التي تغلف باسمها.
الحاصل في العالم العربي، أن كلنا يبرر الحقد الطائفي، وفقا لمواقفنا السياسية، خاصة في الأزمة السورية: أي أننا لا نرفض الأيديولوجية الطائفية من حيث المبدأ بل نقبلها ضمنياً إذا خدمت رأينا السياسي، وحمتنا من "الآخر الذي نخاف".
أنصار الشيخ يوسف القرضاوي، لا يرون غضاضة، بتحريضه ضد العلويين أو "النصيريين" على أساس أنهم أكثر كفراً "من النصارى واليهود"، وفيما تضج المواقع الاجتماعية بأصوات علمانية أو مناهضة للطائفية بالهجوم عليه، لكن بعض أشد منتقديه يصمت على الدور الإيراني، خاصة في العراق، من تجذير لأحزاب شيعية وممارساتها الطائفية.
لا أقبل المبررات التي تشاع وتعممّ كضرورات لهزيمة المشروع الأمريكي الصهيوني: لأن كل فكرة وممارسة طائفية، لا يهمني من أي مصدر كانت، تخدم المشروع الصهيوني الأمريكي، بمعنى أن لا تبقى إسرائيل في محيط عربي بل وسط أنهار لا منفذ لها لا على بحر أو حتى بحيرة، من كينونات الطائفية.
حتى وصلت الأمور عند بعضهم بتصوير حكومة نوري المالكي الطائفية، التي جاءت على دبابات أمريكية، بأنها عملت على إنهاء الاحتلال الأمريكي، وكأنها لم تشارك في القضاء على المقاومة العراقية.
الانتقائية لدينا وصلت إلى حدود مذهلة: فمنا من يتذكر فقط دور الخليج في إنشاء ودعم حركات" وهابية" متطرفة وبعثها إلى العراق، ومنا مَن يتذكر فقط التواطؤ الإيراني في الغزو الأمريكي وترسيخه لطائفية شيعية، وينسى دور المفكرين العراقيين (من الشيعة) في مقاومة الاستعمار البريطاني والحركات العروبية.
أما حزب الله، فعلى الأقل بالنسبة لي شخصياً، فهو جرح مفتوح: فمن منا، معدا قلة قليلة، لم يتبجح ويفتخر بنموذجه المقاوم، فحزب الله أضاء ظلمات في القلوب والعقول، وحفر تواريخ انتصارات أنعشت الأمل فينا.
إذا غضضنا النظر عن تركيبته الطائفية، ونسينا أو تناسينا عن عمد وإصرار، دور بعض أفراده في جريمتي اغتيال اثنين من أهم المفكرين التقدميين، تاريخياً، هما مهدي العامل وحسين مروة، واعتبرنا أنهما خطايا بدايات متعثرة مُسحت بدماء شهدائه.
كان أملنا أن لا ينجر إلى أية معركة تكون بداية توريطه في أبعاد طائفية، لكننا، وأولنا العلمانيون، أو الكثير من العلمانيين، واليساريين، احتفلوا بدخول حزب الله القصير، وسقوط "القصير"، مغمضي الأعين عن تبعاتها الطائفية، لأن الهدف " إسقاط مشروع الإخوان المسلمين في المنقطة" يبرر كل الوسائل حتى إذا تضمن حشداً طائفياً.
البعض منا يريد من حزب الله دخول المعركة نيابة عنه، من دون الانتباه إلى تداعيات ذلك على لبنان، فمن أراد مواجهة الشيخ أحمد الأسير والسلفيين، تجاهل الاصطفاف الطائفي، ليس فقط بين السنة ولكن الشيعة أيضاً في لبنان، الذي أضعف مكانة حزب المقاومة – بخسارته التأييد الواسع الذي تجاوز الخطوط الطائفية، وكان ذلك أكبر حماية له ومصدر قوة أمام أعدائه.
العلمانيون، أوالكثير منهم، وأنا أعتبر نفسي علمانية، لا يواجهون تقصيرهم في العمل الجماهيري، فالأسهل أن نمضي بأسلوب حياتنا، ونستطيع النضال على الفيس بوك في أحسن الأحوال، من دون تعريض أنفسنا لأي إزعاج أو تعطيل الانعزال المريح في قوقعتنا، لذا الكثير منا صفق لحزب الله، ومضينا في حياتنا الجميلة.
فالعبء الأكبر يقع على التحريض الإعلامي والسياسي الطائفي، من أئمة ودعاة، لكن على العلمانيين أيضاً مواجهة تقصيرهم، سواء باتخاذ موقف صادق من كل أشكال الطائفية والأهم بالاضطلاع بمهمة وضع الرؤية البديلة والانخراط بالعمل الجماهيري، وإلا فالعلمانيون، وأنا منهم لا نساهم إلا في تعميق الانقسام العمودي بالمجتمعات، ونتحمل جزءا من مسؤولية جريمة الجيزة والجريمة الأكبر وهي الحرب الدينية.