أخر الأخبار
عن أردوغان.. «العَلَوِيْ»
عن أردوغان.. «العَلَوِيْ»

يواصل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان, العيش في حال الانكار, التي يبدو انه استمرأها أو على الاقل فقد القدرة – دع عنك الرغبة – على مغادرة مربعها, بعد ان تقلّصت هوامش مناوراته وتبددت احلامه التوسّعية (اقرأ اوهامه) ولم تعد لديه المرونة الكافية أو الشجاعة المطلوبة للاعتراف بخطأ قراءاته أو طوباويتها وانعدام القدرة على تحقيقها, ليس فقط لأنها حالمة ومبنيّة على رمال متحركة, بل وأيضاً لأنها تتعارض ومنطق التاريخ وديكتاتورية الجغرافيا, وتُهمل في الان ذاته عوامل ثقافية وحضارية عديدة, تقف «عثمانيته الجديدة» بما هي مشروع استعماري بغيض يسعى اردوغان وتابعه احمد داود اوغلو, الى فرضها على الامة العربية, التي هي في حضارتها وتاريخها وإسهاماتها في الحضارة الانسانية, اكثر عمقاً وثراء وانسانية من «العثمانية» بنسختها البائدة, أو تلك التي يسعى اردوغان ومن التحق بمشروعه.. استنساخها, كما دأب على تكرار ذلك بمناسبة وغير مناسبة تحت ادعاءات وخزعبلات تاريخية فاقدة للمضمون والصدقية, كقوله: إن لتركيا حقوقاً وممتلكات و»إرث» عثماني, يجب عليها استعادته, ولم يخف ذات يوم اطماعه بالهيمنة على المنطقة العربية, من منظور عثماني عنصري, وخصوصاً عبر خطاب اسلاموي مزوّر وتعبوي, يُخفي مشروعاً استعمارياً عثمانياً, ينهض على تعصب وعنصرية واستعلاء, ومحاولة لا تنتهي للثأر من «العرب» تحت مزاعم وهرطقات تقول بأن العرب هم الذين دقّوا المسمار الاخير في نعش الامبراطورية العثمانية.
ولأن الرئيس التركي يعيش هاجس حلمه السياسي الأهم في حياته السياسية, التي وصلت ذروتها بعد مضي اثني عشرة سنة على صعود حزب العدالة والتنمية سدة الحكم, وتحوله الى حزب الرجل الواحد الذي يقصي من يشاء (حتى لو كان شريكه في تأسيس الحزب مثل الرئيس السابق.. عبدالله غل) ويرفع من شأن من يريد, فإن استحقاق السابع من حزيران القريب, يشكّل هاجساً مؤرقاً للرئيس, الساعي الى امساك كامل القرار التركي بيديه, عبر تحقيق اغلبية برلمانية تُغيّر النظام القائم الى نظام رئاسي, على نحو يوصله الى العام 2023 (اذا ما طال عمره) للاحتفال بالمئوية الاولى لجمهورية اتاتورك, ولكن هذه المرة ببصمة اردوغان, ذات الخطاب الاسلاموي المناقض لعلمانية اتاتورك, ولكنه لا يتناقض في جوهره مع طورانية الخطاب الذي قامت عليه جمهورية اتاتورك منذ بدأت جمعية الاتحاد والترقي مشوارها العنصري المعروف.
اردوغان الذي يطرح نفسه زعيماً سُنّياً ولا يجد اي غضاضة في اعادة الصراعات السياسية الى جذورها الطائفية والمذهبية ووُجِدَ مثل هذا الخطاب المُغرِض تجلياته في اكثر من بلد عربي وخصوصا في سوريا, التي لا يملّ من ذكر «طائفة» رئيسها في اي كلمة له حتى لو كانت حول البطاطا والشعير، ولا ينسى احد المسّ الذي اصابه عندما سقط نظام تابِعه الاخواني محمد مرسي في مصر, والعدائية التي ينظر بها الى ما يجري في ليبيا ومذهبيته المثيرة للغثيان ازاء مأساة اليمن, الى ان وصلت الامور عنده حدود اللامعقول (حتى لا نقول الهذيان) في الكلمة التي وجهها الى اتراك المانيا في محاولة فظة ورخيصة منه لاستمالة هؤلاء المواطنين الاتراك الذين يعيشون منذ ثلاثة او اربعة اجيال هناك «.. حزب الشعب الجمهوري يقف الى جنب الرئيس السوري الاسد، يَعْتبِرون الاسد «علوياً».. إن كانت العلوية–يواصل الرئيس المُسْلِمْ–بِحُبِ سيدنا علي.. فأنا اكثر الناس علوّية».
هذا هو معيار اردوغان في تطييف ومذهبة الصراعات السياسية وتبرير داعشيته وتدخله السافر في شؤون سوريا الداخلية, ودعم الارهابيين وتوفير ملاذات آمنة لهم على الاراضي التركية, ودائماً في فتح حدود بلاده لاستباحة السيادة السورية وتَبنّي أدوات ودمى من اخوان مسلمين ومهربين وقطاع طرق, كي يتنازلوا لاحقاً عن اجزاء من سوريا لصالح المشروع العثماني الجديد, الذي لا يرى في حلب مدينة سورية ولا في كركوك مدينة عراقية، ما بالك في لواء اسكندرون الذي قال الاخوان المسلمون السوريون (رسمياً) انها اراض «تركية»، ما بالك في الدعم الناري واللوجستي الذي وَفّره الجيش التركي للارهابيين من الشيشان والمرتزقة, لاجتياح ادلب وجسر الشغور وقبلهما مدينة كسب (الارمنية السكان والحضارة).
تتزامن هذه النبرة الطائفية والمذهبية البغيضة مع حادثة «التسلل» التي قام بها رئيس وزرائه داود اوغلو لضريح سليمان شاه في موقعه الجديد وحديثه الاستفزازي عن ازالة حدود تركيا مع سوريا عندما تنتصر «ثورتها», وهو حلم بعيد المنال, يعلم صاحب نظرية «صفر مشكلات» الفاشلة، أنه لم يعد مطروحاً على جدول الاعمال, وان «كَرَمه» هذا انما يستبطن نزعة استعمارية ويخفي مطامع بالهيمنة على سورية, عبر العملاء والدمى الذين احتضنتهم بلاده, وارادت ان يكون تدمير سوريا مقدمة للعصر التركي الجديد وقاطرة للعثمانية الجديدة في اتجاه وضع العرب وخصوصا ثرواتهم في خدمة المستعمِر العثماني الجديد.
لكن هذا لن يحدث, وربما ستكون هزيمة المشروع العثماني الجديد على يد السوريين انفسهم وبداية النهاية لحياة اردوغان... السياسية.