فكرة الحكومة البرلمانية نظريا تمثل حالة إصلاحية متقدمة تجسد فكرة ان الشعب مصدر السلطات حيث ان البرلمان انتاج خيارات الناس ، والحكومات تكون انتاج خيارات مجلس النواب وكتله البرامجية او الحزبية ، وعندما نصل الى تلك المرحلة نكون قد أنجزنا خطوات كبيرة إصلاحيا ، وعندها يكون فقط مجلس النواب يعمل مع الحكومة في خط زمني متواز خلال المدة الدستورية للمجلس ، لان برنامج الحكومة هو برنامج الاغلبية النيابية.
لكن علينا ان نكون واقعيين وان لا نذهب بعيدا في الأحلام ، لان هناك فرقا كبيرا بين الهدف الذي نسعى اليه وبين إمكانية الوصول الى الغاية المنشودة ، وحتى لو بقيت اي حكومة طوال عمر اي مجلس نواب فهذا لا يعني ان الحكومة برلمانية ، وكذلك الامر عندما تكون الالية في انتاج الحكومة مثلما كان عليه الحال في طريقة اختيار رئيس الحكومة الحاليّة ، ومع الاحترام لكل الأشخاص فان الطريقة التي تمت وما كان من مشاورات لم تكن اكثر من تمرين على الاختيار ، لكن الجميع يعلمون ان الطريقة كانت مرتبكة وحولها جدل. وفي المحصلة تم اختيار رئيس وزراء وهو خيار لايمكن اعتباره مقدمة لحكومات برلمانية بقدر ماهو محاولة للقول ان النوايا حسنة في هذا الاتجاه وهو امر إيجابي.
لنتجاوز ما كان ولننظر الى المرحلة السياسية القادمة التي نحب ان نراها مرحلة مختلفة حيث نحب ان نرى الانتخابات القادمة تتم وفق قانون يحقق التوازن بين الإصلاح وبين الحفاظ على هوية الدولة من ان تدفع اي ثمن نتيجة اي تعديل على القانون ، ونحب ان نرى البرامج هي العنوان للكتل والافراد ومرشحي الأحزاب وان تكون المحصلة كتلا نيابية برامجية تكون الأساس لإنتاج حكومات برامجية تمثل اغلبية المجلس.
نحب كل هذا لكننا ونحن على بعد اقل من ١٩ شهرا من انتهاء السنوات الأربع الشمسية وهي عمر المجلس لايمكننا ان نقنع أنفسنا اننا على موعد مع ما نحب ونتمنى ، فالبنية التحتية لإنجاز ما نحب ليست حاضرة الا النوايا الإيجابية والفكر المتقدم الذي يحمله جلاله الملك ، فالأحزاب التي تمثل مادة العمل الأساسية تعيش ذات الإوضاع الإنسانية من حيث الانتشار والحضور ، وفكرة التكتلات النيابية لم تتقدم خلال السنوات خطوة ملموسة باستثناء محاولات فردية ، والبرامج مازالت بالنسبة للبعض خيالا علميا والقناعة لديهم ان العمل النيابي يعني الخدمات اولا وأخيرا ، وحتى لو وصلنا الى الانتخابات القادمة بذات الأدوات والتركيبة الحزبية والسياسية والشعبية فان فكرة الحكومة البرلمانية ستبقى ايضا خيالا علميا ، وحتى لو كررنا فكرة المشاورات النيابية فان احدا لن يؤمن انها مشاورات ذات طابع سياسي وبرامجي بل هي امر غير سياسي ولاعلاقة لها بتغيير أسس تشكيل الحكومات والمنتج سيكون عاديا اي ليس برامجيا ، وحتى لو كان رئيس الحكومة في حينها من المجلس او من اختيار المجلس فالامر سيكون شكليا.
اذا استمرت التركيبة الحزبية والكتل البرلمانية بذات الحال فان علينا ان نخرج من الإطار الشكلي لحكاية المشاورات الشكلية ومحاولة إقناع أنفسنا ان هذا جزء من مسار بناء حكومة برلمانية ، ولتبقى الأمور كما هي وفق الأصول الدستورية التي تسير عليها الدولة ، الى حين ان تكتمل الأسس التي تجعلنا نذهب الى مانريد بشكل حقيقي وليس تكرار مسارات غير مكتملة لم تقدم لنا منتجا مختلفا.