مناسبتان متلازمتان في محطة تاريخية واحدة، وفي مسيرة واحدة بوقت واحد، ولكن في اتجاه مضاد ومسار متناقض. الحركة الصهيونية اقامت دولة اليهود في فلسطين منذ عام 1948، وفي مثل هذا الوقت من كل عام يحتفلون باستقلالهم، وهم يراهنون ان الكبار يموتون والصغار سينسون. وعلى الجانب الاخر من الموعد ذاته، ينتفض الشعب الفلسطيني، في الداخل والشتات، ليؤكد ان الاحتلال خسر الرهان وفشل في نزع القضية الفلسطينية من الذاكرة الفلسطينية والعربية.
لقد تعبنا من الكتابة ومن المسيرات والهتاف والصراخ والحزن والتلويح بالاعلام، ولكن احياء ذكرى احتلال فلسطين ضرورة تاريخية، ليس لتذكير الاجيال والاعلام والعالم بحق الشعب الفلسطيني باقامة دولته وحقه بالعودة فحسب، بل لتذكير الاجيال الاسرائيلية، من الشيوخ والشباب، بازمتهم الوجودية، وان لا سلام، ولا امن، ولا استقرار الا بحل عادل شامل لقضية الشعب الفلسطيني، التي هي جوهر الصراع العربي الاسرائيلي.
والثابت، حتى الان، ان المجتمع الاسرائيلي ما زال يتحرك باتجاه اليمين المتطرف والاحزاب الدينية المتشددة التي تسيرباتجاه آخر معاكس للبحث عن تسوية تاريخية، فهذا الجمهور معني بدعم التهويد والاستيطان ورفض اقامة الدولة الفلسطينية، وبالتالي رفض تحقيق السلام عبر حل عادل. هذا المجتمع، بنوابه واحزابه، هو الذي اقترع لصالح نتنياهو، وهو الذي منح الثقة لحكومة الصوت الواحد، التي هي حكومة الحرب.
هم ينظرون الى نتنياهو على انه منقذ الشعب اليهودي، وهو يزعم واهما أن الاقدار اختارته ليخلص يهود اسرائيل من حكم الصهيونية العلمانية بالتهويد والعودة الى الجذور عبر التعاون مع الاحزاب الدينية والتسلح بالتوراة والخرافة والبندقية، وباسلوبه الخطابي المضلل العالق في التاريخ البعيد..
واذا كان نتنياهو، ولا يزال، يرفض السلام ويرفض الحلول العربية والغربية والشرعية الدولية لقضية الشعب الفلسطيني، بل يرفض العودة الى التفاوض، على عبثيته وقلة جدواه، فماذا يريد، وماذا تريد حكومته اليمنية الدينية المتطرفة ؟
هو اليوم اسير الاحزاب اليمنية والدينية الاكثر تشددا وتطرفا، وهو بثقة الصوت الواحد، يقف على حد السيف مغلول اليدين، او انه سيجد نفسه غارقا في بؤس وانحطاط الفكر المتطرف، لأن حكومته ستظل ايلة للسقوط في اية لحظة، ولن تغادر مرحلة الخطر، وهذا يعني انه سيسير باتجاه التصعيد والتوتر، خصوصا ان المنطقة ملتهبة، وقد يجد نتنياهو نفسه يسير في اتجاه جبري نحو اشعال حرب جديدة، او الانخراط بالحروب القائمة بطريقة ما، وهي ميسرة جدا في ظل ما هو قائم ومتوفر.
وبالمقابل، على السلطة الفلسطينية ان لا تقف مستمتعة بالخمول الفكري والبؤس الذاتي واحزان الذكرى، بل من واجبها ان تتجه نحو التصعيد داخليا لجعل الاحتلال أكثر كلفة على اسرائيل، وان تتحرك على الصعيدين العربي والدولي لفرض المزيد من العزلة على اسرائيل، وتكريس عملية الاعتراف الدولي الكامل بالدولة الفلسطينية، خصوصا بعد اعتراف الفاتيكان بالدولة، وفي الوقت الذي اصبحت فيه كل دول العالم تقف الى جانب حل الدولتين.