جاك أوكونيل هو صاحب الكتاب الذي حمل اسم «مستشار الملك»، وجاك كان رئيسا لمحطة المخابرات الامريكية في عمان من عام ١٩٦٣ حتى عام ١٩٧١ ثم عمل مستشارا دبلوماسيا للأردن في واشنطن بعد تفرغه للمحاماة.
هذا الكتاب يروي فيه مسيرته مع الاْردن والملك حسين رحمه الله ومع قضايا المنطقة ، يرويها من وجهة نظره كرجل مخابرات أمريكي ، ويظهر فيها تعاطفا كبيرا مع الاْردن ومواقفه.
لن أستطيع التوقف عند تفاصيل الكتاب ففيه الكثير مما يلفت الانتباه لكنني أتوقف اولا عند عبارة نقلها المؤلف في الصفحة رقم ١٧٥ نقلا عن شخص كان يضعها على مكتبه وتقول العبارة: « الطريقة المثلى لتحقيق مفاجاة استراتيجية تكون اما باتخاذ اجراء غبي او معاكس تماما لمصلحتك الذاتية «
هذه العبارة لو قمنا بإسقاطها على كثير مما يجري حولنا في بلادنا او منطقتنا فنجد ان جزءا مما راينا ونرى من حروب وازمات وقرارات تنتهي بكوارث حتى على أصحابها ناتجة عن فعل من هؤلاء أرادوا من خلاله ان يسجلوا إنجازات استراتيجية فذهبوا الى الفعل الغبي او الفعل الذي حتى لايخدم مصالحهم الذاتية ، والأمثلة كثيرة حتى في الدوائر الصغيرة حولنا.
الكتاب فيه الكثير من الأحداث التي مرت بالأردن حيث يرويها من وجهة نظره كرجل مخابرات أمريكي وان كان كما اشرت يبدي تعاطفا وتفهما لمواقف الاْردن ، وَمِمَّا ورد مثلا ان الحسين رحمه الله وصلته معلومة قبل يوم من عدوان عام ١٩٦٧ بان اسرائيل ستقوم في الثامنة من صباح الخامس من حزيران بالهجوم على مطارات مصر العسكرية ، وكانت معلومة من مصادر غير رسمية لكنها موثوقة وان الحسين رحمه الله بعث مباشرة رسالتين لعبد الناصر بمضمون ما وصله من معلومات ، وبعد فترة من انتهاء حرب ٦٧ سأل مؤلف الكتاب الحسين لماذا لم يستفد عبد الناصر من المعلومة فقال الحسين رحمه الله: لقد سألت عبد الناصر هذا السؤال فكانت إجابته: لأَنِّي لم اصدقك.ويؤكد في الكتاب ان عبد الناصر ادرك خطأ ما فعل بحق الحسين وانه أمضى اخر ثلاث سنوات من عمره يعمل على استدراك عدم ثقته بالحسين.
وفي الكتاب معلومات من وجهة نظر صاحبه عن الخطة والخدعة الاستخباراتية التي استعملها الاْردن مع العراق حيث كانت قواته في الاْردن عام ١٩٧٠ لمنع تدخلها لصالح من كانوا يمارسون الفوضى في الاْردن ، وايضاً عن الأسباب التي دعت القوات السورية لوقف تدخلها ضد الاْردن والموقف الحازم للحسين ، وايضاً الموقف الامريكي الذي كان يتعامل مع فرضية ان نظام الحكم في الاْردن سيسقط ، وكيف كان الحسين والأردن وحيدين في مواجهة تلك المحنة.
وعلى صعيد عملية السلام حتى قبل حرب ١٩٦٧ يروي المؤلف تفاصيل التحركات وما اسماه الخيانة التي تعرض لها الحسين من أطراف عديدة في هذا الملف حتى من الدول التي كانت تبدي تشددا وتتهم الاْردن لكنها في الواقع ذهبت نحو اسرائيل ووقعت معها قبل الاْردن ، ولعل من المدهش مارواه عن حقيقة القمة العربية التي نعرفها بقمة اللاءات الثلاث لكن ماجرى فيها كان لاءات مع التفاوض لكن بشروط منها ان لايكون منفردا ، لكن كل ماتم بعد ذلك من معاهدات كان منفردا وبخاصة من مصر والمنظمة.
ولان الأحداث كثيرة وممتدة على مساحة واسعة من السنوات فإنني اختم بالاشارة الى ما ورد في الكتاب من تفاصيل هامة حول الأحداث والمواقف الامريكية والعربية بعد دخول العراق للكويت ، ومهم ماورد عن الموقف الاردني الحريص على الكويت والعراق والساعي لتجنب اي حرب ، والجهد الذي بذله الحسين لاقناع العراق بالانسحاب.
تفاصيل مثيرة تقدم للقارىء صورة قد تكون منصفة للأردن وموقفه.
كما اشرت فان اي كتاب يعبر عن الزاوية التي يكتب منها المؤلف لكن قراءته تجعلنا اكثر قربا لفهم عقل الحسين الذي كان حريصا على السلام لكن بمنطلقات عربية ، ومساره اثبت انه لم يتنازل عن اي حق فلسطيني وان ما يعتقد الفلسطينيون انه تنازلات تم تحت لواء منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد !