لو كنت يهودياً يعيش في إسرائيل كنت سأكتب رثاء الحزن على الدولة بعد تشكيل حكومتها الرابعة والثلاثين، كنت سأحسد الفلسطينيين كثيراً لأن إسرائيل تهديهم هذا المستوى من الهواة المتطرفين الذين جرب الكثير منهم خلال السنوات الست السابقة في حكومتين متتاليتين، ولم يجلبوا سوى الكراهية للمجتمع الإسرائيلي وتقسيمه وإذكاء العنصرية، وتحويل إسرائيل إلى دولة منبوذة في العالم تسير في طريق واحد لا منافذ له وهو طريق دولة الابرتهايد العنصري... دولة مكشوفة كاذبة يكرهها الجميع حتى أقرب حلفائها.
وإذا كانت الحكومة المنحلة بتركيبتها السابقة أبعدت المتدينين وضمت بدلاً منهم يائير لبيد المنتمي للوسط السياسي فإن الحكومة الحالية نزعت آخر ورقة توت يمكن أن تغطي أية عورة من عورات السياسة الإسرائيلية، حكومة يقف على رأسها نتنياهو وريث اليمين القومي المتطرف الذي اعتبر في لحظة صدق مع ذاته ومع ناخبيه أن «في عهده لن تقوم دولة فلسطينية»، والذي يعتبر الأقل تطرفاً قياساً بالوزراء في حكومته، انها حكومة ستسهل الطريق على الفلسطينيين لعزل إسرائيل.
إن التدقيق في معظم أسماء هذه الحكومة يكشف عن مجموعة من مراهقي اليمين هم أقرب لزعران التلال منهم لرجال السياسة، فأغلبهم عبّر في تصريحات سابقة توثقها وسائل الإعلام عن عنصرية كريهة وتطرف سياسي صادم للعالم، أغلبهم كان يتنافس على قيادة مجموعات المتطرفين لاقتحام الأقصى وتفجير المنطقة. إنهم من أسوأ ما أنتج اليمين في تاريخه، ذلك اليمين الذي وصفه محمد حمزة غنايم الشاعر الفلسطيني المرحوم في مناطق 48 وهو يقدم ترجمة لاحد كتيبات مؤتمر هرتسيليا الذي اندفعت فيه الغرائز اليمينية «باليمين البهيمي».
من موشيه يعلون إلى نفتالي بينيت وإسرائيل كاتس وميري ريجيف وزيرة الثقافة التي أصاب تعيينها مثقفي إسرائيل بنوبة من الضحك والسخرية، مروراً بأييليت شاكيد المعادية للقانون لوزارة العدل وداني دانون.. أوفير أكوينس وياريف ليفنين المبادر بالقوانين العنصرية وأوري أرئيل...كل هؤلاء حقيقة يقف نتنياهو المعادي لحل الدولتين وبالرغم مما كشفه من عنصرية ضد فلسطينيي 48 على يسارهم، فأية حكومة وأي قاسم مشترك ستجده مع العالم وهي مدججة بكل هذه القيم المعاكسة تماماً لروح التعايش والثقافة الكونية، إنها حكومة ستسير بمركبة وحدها في الطريق المعاكس وسيكون الاصطدام قدرها الوحيد.
هكذا اعتقد ألون بن مائير الكاتب اليهودي في عدة صحف عالمية والذي كتب مقالاً صبيحة ظهور نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة يرثي فيه هذه الانتخابات، لأن الشعب الإسرائيلي اختار العيشَ في فقاعة الوهم التي ستنفجر، كان المقال بعنوان «انتصار الليكود هزيمة لإسرائيل» قال فيه «إن العواقب الملعونة التي ستلحقها حكومة نتنياهو الجديدة بالبلد كبيرة.. إسرائيل التي قادها نتنياهو إلى الضلال فترة من الزمن تقترب الآن بسرعة من شفا كارثة جديدة تختلف عن أية كارثة أخرى واجهتها إسرائيل في السنوات الماضية «كتب ذلك قبل أن يعرف الأسماء التي ستكون في هذه الحكومة، ربما بعد اجتياز الحكومة موافقة الكنيست لم يبق لديه ما يقول.
لقد أصبحت حكومة ودولة إسرائيل عبئاً على العالم كما قال وزير الإعلام الأردني صالح القلاب قبل أيام، لقد مل العالم مناورات إسرائيل وألاعيبها وكذبها وخداعها، لم تبق حيلة إلا مارستها طوال ربع القرن الماضي للهروب من محاولات التسوية، وها هي الآن وصلت إلى الإفلاس ولم يبقَ ما ستقوله مع هذه الحكومة، فقد انكشفت كل تلك الألاعيب ولن يكون بإمكانها تسويق أي شيء، إن حكومة بهذا الشكل لن تجد من يشتري منها بضاعتها الفاسدة وتكوينها شديد التطرف والوضوح يمنعها حتى من ممارسة الكذب، حكومة كهذه ستضيق مجال المناورة أمام رئيس وزرائها نفسه ولن تترك حتى متسعاً صغيراً لمناورات مكشوفة جداً.
سأل ألون بن مائير صبيحة الانتخابات «ماذا يعتقد نتنياهو بما على الفلسطينيين أن يفعلوه بعد أن كشف عن تعصبه الأعمى؟ أي خيار يتركه لهم سوى اللجوء لمجلس الأمن الدولي مطالبين بالاعتراف بدولة فلسطينية؟.. ثم يقول الصحافي المخضرم «والرئيس أوباما بعد أن ضلله وكذب عليه وحقره نتنياهو هو الرئيس الذي ضحى بوقت ثمين وموارد ورأسمال سياسي ضخم في العملية السلمية لم يبق لديه أي خيار سوى السعي وراء قرار يصدره مجلس الأمن الدولي يدعو لحل دولتين على أساس حدود 67.
لقد عمل نتنياهو بكل ما يملك من قوة لإعدام أية إمكانية لإقامة دولة فلسطينية عملا بوصية والده المتطرف، قاتل بأسنانه وأظافره، حارب الجميع مثل دون كيشوت.. الرئيس الفلسطيني، العرب، الاتحاد الأوروبي، الرئيس الأميركي، وزير الخارجية جون كيري الذي تمت إهانته قبل رئيسه وطرده، معتقداً أنه يستطيع معاكسة حركة التاريخ وقمع طموح شعب أجمع على إنهاء الاحتلال، وأغلب الظن أن الشعب الإسرائيلي الذي يعيد إنتاج الوهم من جديد بانتخابه أكثر المتطرفين سيدرك خلال فترة حكم نتنياهو الرابعة عندما يشتد الخناق الاقتصادي والعزلة والمقاطعة أنه وقع ضحية الدعاية الغوغائية التي مارسها نتنياهو.
حكومة نتنياهو توفر فرصة هائلة للفلسطينيين لاستكمال مسيرة العمل على المستوى الدولي ولف الحبل على رقبة نتنياهو وحكومته ومجموعة المتطرفين السكارى بخمر الانتصار في الانتخابات، لكن ذلك يتوقف على قدرة الفلسطينيين وكفاءتهم وخياراتهم وذكائهم في التقاط اللحظة السياسية وإدارتهم لمعركتهم في مواجهة خصم أقل كفاءة من نظرائه السابقين، هذا يتطلب إعادة نظر في الكثير من المؤسسات وطواقم العمل السابقة واستدعاء خبرات وكفاءات جديدة وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني بما ضمن أوسع ائتلاف قادر على المناورة بكل الطاقات، وإعادة النظر بالجهاز الدبلوماسي الذي تقع عليه إدارة معركة الخارج لإزاحة إسرائيل من الساحة الدولية.
ويتطلب أيضا العمل بكل جدية لإتمام المصالحة المشلولة واستعادة غزة كجزء من الوطن ومنع الإسرائيلي من الاستفراد بها ودفعها إلى حيث يريد، والتوقف عن إعطاء فرصة لدول أخرى أن تشكل وسيطاً مع غزة والتعامل معها كمنطقة بعيدة عن النظام السياسي، مطلوب من الرئيس أن يحتوي كل الخلافات الداخلية ليتمكن من تحقيق الإنجاز الأكبر في ظل حكومة شبيبة أو زعران التلال، هذا أمر ممكن وهناك فرصة.