الحديث عن «كارثة قطاع غزة» الإنسانية والسياسية لم يكن بحاجة إلى «استدلال» مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط، ملادينوف، البلغاري الجنسية» ليخبرنا عن وصفها، ومخاطر استمرارها، وما يجب فعله من أجلها، لكن كلماته أمام مجلس الأمن، وهو يعرض تقريره عن الوضع في فلسطين و قطاع غزة يستحق كل التقدير.. المبعوث الدولي، تحدث بلا أي مجاملة سياسية لأي طرف، فهو قالها صريحة، «غزة يائسة وغاضبة من الجميع»، وخصص إسرائيل ومصر وحماس، بالطبع دون أن ينسى القيادة الرسمية الفلسطينية، وإن لم يقلها صراحه، مستخدما تعبير الجميع قبل التخصيص، مؤكدا أن استمرار الغضب واليأس لا سبيل لوقفه سوى «الانفجار»، والذي قد يحدث في أي لحظة كانت، ما لم تتحرك أطراف المسؤولية. تحدث المبعوث رافضا النشاط الاستيطاني وداعيا حكومة نتنياهو العمل على تحقيق «حل الدولتين»، لكن الأهم فيما قاله كان خاصا بالوضع في القطاع.. نعم وبكل صراحة، قطاع غزة يمر في «اسوأ كارثة سياسية - إنسانية»، منذ النكبة الكبرى باغتصاب غالبية الوطن الفلسطيني العام 1948، وهجرة مئات آلاف الى القطاع، من المدن والقرى الفلسطينية القريبة إليه، قطاع غزة، لم يشهد حصاراً شاملاً، واستخفافا سياسيا بما يعيشه، كما هو اليوم، ولذا جاءت «صرخة ملادينوف» حقيقة ساطعة، بل مدوية في أرجاء المعمورة.. إن كانت دولة الكيان الإسرائيلي تمارس حصارها على قطاع غزة، بل وتستخدمه بشكل علني لدفعه نحو «الانفصال المؤقت أو الدائم» كما تتمنى، فذلك لا يمثل أي لون من المفاجآت، خاصة وأن اليمين العنصري يدير شأنها منذ أمد طويل، وهو دون غيره أول من اقترح في ثمانينيات القرن المنصرم، «وضعا سياسيا كيانيا خاصا» لقطاع غزة، عندما أرسل رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي في حينه مناحيم بيغن رسالة للقيادة الفلسطينية، والزعيم الخالد ياسر عرفات، يقترح فيها «حق تقرير المصير لقطاع غزة»، والرئيس محمود عباس يعلم ذلك تفصيلا، فكان الرد دون الضفة الغربية والقدس، هو مقترح لا يستحق بحثه من الأصل.. وتكررت المقترحات الإسرائيلية لاحقا، ومنها مقترح شمعون بيريز العام 1994، وقبل البدء في تطبيق الشق الخاص بالاتفاقات على الضفة الغربية، مقترح جاء به الى الخالد أبو عمار في غزة، شكل تطويرا لمقترح بيغن سالف الذكر، و سافل المحتوى، يدعو لإقامة «دولة مستقلة ذات سيادة في قطاع غزة مع حكم وظيفي ثلاثي في الضفة الغربية»..وكان الرفض السريع من الخالد، حتى أنه لم يعرضه للنقاش العام في أي إطار رسمي، لكونه لا يجب أن يمنح وقتا لنقاشه قد يعتقد البعض انه «مؤشر لإمكانية القبول».. واليوم تطل تلك المشاريع برأسها، ولكن بشكل وثوب جديدين، لا تحدد طبيعة المشهد، أهو «تقرير مصير» أم «دولة خاصة» أم «حالة كيانية هلامية»، يمكن ان تتشكل فيما بعد، وتحت ضغط الحاجة التي لم تعد مقبولة لا وطنيا ولا قوميا ولا إنسانيا، سارعت حكومة نتنياهو في فتح خط تفاوضي مع حماس عبر قطر وتركيا، لإنشاء ممر بحري مع قبرص التركية، وهو ما أكده نائب رئيس حماس اسماعيل هنية في محضر لقاء له مع شخصيات نقابية حمساوية، نشرته صحيفة لبنانية يوم 19 مايو 2015، أكد أن هناك «مفاوضات بين إسرائيل وحماس من خلال تركيا وقطر لإنشاء الميناء البحري»، والذي تراه حكومة نتنياهو «الممر الآمن - السريع» لبدء حركة «الفصل السياسي لقطاع غزة عن دولة فلسطين» راهنا، فيما تحاول حماس وقيادتها تسويقه كمخرج للأزمة الإنسانية.. ولأن مصر هي الطرف المباشر، والذي يملك أداة إسقاط ذلك المشروع، بكل أبعاده، فهي تتحمل مسؤولية كاملة عما يحدث في المشهد الراهن، مع إغلاقها معبر رفح تحت مبررات لم تعد مقعنة أبدا، فلا يوجد أي مبرر أمني أو سياسي يبقي المعبر مغلقا كل هذه الفترة، وبالتأكيد، لم يكن صائبا تصريحات رئيس الوزراء المصري المهندس إبراهيم محلب بأن لغزة معابر عدة غير رفح، نظريا كلامه صحيح، لكنه تجاهل أن كل تلك المعبر تحت سيطرة إسرائيل وتستخدمها لتمرير أخطر صفقة سياسية على فلسطين، وكلما طال إغلاق معبر رفح، كلما تسارع تمرير مخطط «الفصل الآمن»، ولذا فمصر الشقيقة، وقبل القيادة الرسمية الفلسطينية ستتحمل مسؤولية تاريخية فيما سيكون من مصير سياسي لقطاع غزة.. ولأن حماس لا تملك «مشروعا سياسيا وطنيا» كامل الأركان، وما زالت أسيرة بشكل كبير الى مشروعها الإخواني/ مهما حولت التضليل، فهي لم تفعل ما يجب فعله من أجل كسر الحساسية المصرية نحوها، خاصة بعد أن احتفلت بحكم الإخوان رقصا وطربا ومظارهات كان على رأسها إسماعيل هنية بجلبابه الأبيض، ولطمت شر لطم بعد أسقاطه عبر ثورة شعبية لا تمحى من ذاكرة الشعوب، لطمت بشكل علني وصريح، بل أن كتائبها العسكرية خرجت في مسيرة عسكرية استفزازية على الحدود مع مصر، رافعة شعارات «رابعة» و»الإخوان» في رسالة تحد ساذجة الى ما لانهاية، ولم تعتذر لاحقا عنها، وكل ما صدر تبريرها بأنها ردة فعل لا أكثر، من البعض الإخواني.. بصراحة حماس لن تفعل شيئا لتحسين العلاقة مع مصر، بل وبعد صدور الأحكام القضائية ستتسع رقعة «الحساسية السياسية - الأمنية» معها، خاصة أن الأحكام ستعني تسليم من بات متهما الى الأمن المصري لاحقا، وهو ما لن يكون ممكنا في الوقت الراهن، بل أن بعض قيادات حماس ، ستعمل كل جهدها لزيادة رقعة الخلاف مع مصر للمضي قدما في «مشروع ممر الانفصال البحري الآمن»، لأن أردوغان يراه فرصة ليستخدم معاناة قطاع غزة لمحاربة مصر وشن حملة تشويه ويبدو وكأنه «الخليفة العثماني المنقذ».. ولذا من يطلب من حماس التخلي عما هي عليه سيكون «ساذجا» لا أكثر.. القيادة الرسمية الفلسطينية، تقف متفرجة على كارثة قطاع غزة، بل وهناك بها من يتمنى أن تنجح حماس وقطر وتركيا مع دولة الكيان الاحتلالي في تمرير مشروعهم الانفصالي، ولو كانت غير ذلك، لناقشت الأمر بكل جدية مع الشقيقة مصر، وألا تتماشى مع تبرير الإغلاق الذي لم يعد شأنا أمنيا مصريا، بل بات شأنا وطنيا فلسطينيا.. باختصار إغلاق معبر رفح يعادل فتح ممر الانفصال البحري..معادلة لا تحتاج لمزيد من الشرح، فهل تفعل القيادة الرسمية ما عليها من مسؤولية وطنية، أم تكتفي بالحديث عن «مؤامرة الفصل» في الصالونات أو البيانات التي لم تعد لها قيمة مطلقا، لأنها بيانات لغوية لا أكثر تبحث إدانة حماس وليس حلا لكارثة قطاع غزة.. «صرخة ملادينوف»، بداية مرحلة جديدة..فهل تستجيب لها أطراف المعادلة عدا دولة الكيان، أم يتم رميها في البحر علها تسحب معها قطاع غزة أيضا، كما تمنى يوما ما الإسرائيلي اسحق رابين! *ملاحظة: منذ أن وصف بابا الفاتيكان الرئيس عباس بأنه «ملاك السلام»، وكل أعلامه ومسؤوليه يحاولون تبرير وتفسير الكلمتين بعد أن غضبت دولة الكيان.. ما أقزم العرب في كثير من الأحيان! *تنويه خاص: إحصاءات مركز «مدى» ونقابة الصحفيين في فلسطين، عما ارتكبته دولة الاحتلال وجيشها ضد الصحفيين لا يجب أن تقف عن النشر باللغة العربية فحسب، بل يجب أن يتم توزيعها كما هي داخل الأمم المتحدة..شهادة تستحق التقدير والاهتمام في آن!