خرج الرئيس الاميركي باراك حسين اوباما عن صمته، معلناً تأييده تسليح عشائر الانبار، في الوقت ذاته الذي قدّم فيه الدعم لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في وقت يعزز فيه داعش سيطرته على المدينة الاستراتيجية التي استطاع ان يجتاحها في وقت قياسي، رغم كل ما قيل عن استعداد عسكري وضربات موجعة وجهتها طائرات التحالف لجحافله التي كانت تتجمع بأعداد مهولة في المحاور التي ستُقَطِعْ من خلالها اوصال المدينة وصولاً الى مجمع الدوائر الحكومية، ولا يبدو ان تلك «الغارات» الجوية كانت فاعلة، بافتراض انها حقيقية وجدية، ما يستدعي التساؤل عن السرّ الذي يقف خلف هذا السقوط المدوي لمدينة استراتيجية باستطاعة من يسيطر عليها ان يُهدِد العاصمة بغداد وان يبسط هيمنته على قاعدة الحبّانية الجوية والاشهر في تاريخ الانقلابات العراقية المعروفة، ودائماً في الإبقاء على خيوط التواصل والامداد بين المناطق الغربية العراقية وتلك التي يسيطر عليها داعش في سوريا وبخاصة الرقة ودير الزور، ما يُسهم ليس فقط في اتساع المساحة الجغرافية التي باتت لـ (الدولة الاسلامية) في العراق وبلاد الشام بل وايضاً في الإبقاء على قدراتها العسكرية واتساع هوامش مناورتها ما يستلزم المزيد من القوات والطائرات ومعدات التجسس والمراقبة التي يتوجب على التحالف الدولي المزعوم ان يوفرها لمواجهة هذا التضخم في قدرات وامكانات وموارد داعش.
اللافت في سقوط الرمادي هو الكيفية او السهولة التي استطاع فيها داعش ان يجتاح المدينة بعد تهديدات متواصلة وحشود لم تتوقف وهجمات تزداد شراسة، الى ان نجح في تقويض قدرات المدافعين عن المدينة من جيش ومتطوعين وسط جدل لم ينتهِ عن مخاطر مشاركة قوات الحشد الشعبي (المحسوبة على تيارات واحزاب شيعية)، في الدفاع عن المدينة بين مؤيد ومعارض تقف في صف الاخيرين (المعارضون) الولايات المتحدة الاميركية التي لا تتوقف عن إذكاء نار الفتنة والتحريض المذهبي، عندما تقول انها لن تشارك في الدفاع عن المدينة (قبل سقوطها بالطبع)، اذا ما شارك الحشد الشعبي فيها، وايضاً في إبداء «قلقها» من الانقسام والمواجهات المذهبية التي ستندلع عندما تشارك قوات الحشد الشعبي في الدفاع عن المدينة (او تحريرها لاحقاً)..
هنا والآن.. تعود مسألة سقوط الموصل خصوصاً وسهل نينوى في شكل عام إلى الواجهة، بعد اقتراب الذكرى الأولى (10/ 6/ 2014) لهذه الخسارة الكبيرة التي نجح داعش عند اجتياحها في وضع شعاره الشهير «باقية وتتمدد» موضع التنفيذ، لتأتي انتكاسة الرمادي، فاتحة على مزيد من الأسئلة المحرجة والخطيرة بل والاتهامية التي يصعب تركيزها تجاه جهة او معسكر او تحالف واحد، نظراً لتعقيد المسألة وتداخلها والغموض الذي تلوذ به معظم الاطراف ذات الصلة بهذا التوسع الخطير وغير العفوي لنفوذ داعش، الذي بدأ يأخذ شكل دولة حقيقية (بصرف النظر عن حكاية الاعتراف الدولي او الاقليمي من عدمه) لان هناك مستفيدون من انتصارات داعش، وهم يبنون على ذلك استراتيجياتهم وخططهم التي لا يمكن تنفيذها إلا بمساعدة سيف داعش المُسلّط على رقاب الدولة المهتزة أو المرشحة للتفكّك المحيطة بـ(مسارح) عمليات داعش، فضلاً عن الصراع الإقليمي المحتدم بين المعسكرات والمحاور العربية ذاتها التي يجد بعضها في داعش «ورقة» مسادة او وسيلة ضغط بل وحتى حليفاً مرحلياً، يُمنّي نفسه بالتخلي عنه او تصفيته بعد انتهاء مهمته او الدور الذي انتدبه له، الا ان هؤلاء ينسون او يتناسون او هم في الاغلب اصحاب ذاكرة قصيرة وغير معنيين باستخلاص دروس التاريخ وعِبَرِه في ان المخلوق الارهابي دائما ما يتمرد على خالقه ولهم في القاعدة ومتفرعاتها وملاحقها... «الأسوة الحسنة»..
إلى أين من هنا؟
لن يُعرف المسؤول عن انتكاسة الرمادي الأخيرة تماماً، كما غابت الاجابات وغاصت في الغموض والالتباس والتعمية التحليلات التي تحدثت عن كارثة سقوط الموصل، لان نظرية المؤامرة جاهزة لدى كل طرف سواء اولئك الذين يُحمِّلون حكومة العبادي المسؤولية أم قيادة الجيش التي تُقصي الضباط «السُنّة» رغم ان وزير الدفاع سُنّي، ناهيك عن اولئك الذين يشيرون باصبع الاتهام إلى طهران كمستفيدة من السقوط المتوالي لحواضر السُنّة، كي تهّب لمساعدتها وتُخْضِعها لسيطرتها بحجة تحريرها كما حدث في تكريت على سبيل المثال لا الحصر، دون ان تتجاوز تلك الاتهامات التي تطال واشنطن والتي تغمز من قناة مشروعها المُعلن في تقسيم العراق الى ثلاثة أقاليم او في النهاية ثلاث دول شيعة، سُنّية وكرد..
أيّاً يكن مصير الجدل والسجالات الدائرة الآن، داخل العراق وخارجه، فإن العراق آخذ في التفكّك ولن ينجو من مصير بائس كهذا، اولئك الذين يُبدون شماتة في ما آلت إليه الأمور في العراق والمُرشحة إليه سوريا كما يعتقدون.