ليست ذات قيمة بيانات الشجب والإدانة العربية لسياسات اسرائيل العدوانية ، سواء التي تصدر عن القمم أو مجلس الجامعة ولجانها المختلفة ،كالذي صدر قبل أيام واستنكر تصريحات نتنياهو ،التي تعهد فيها بإبقاء القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، فالحديث عن انتهاك تل أبيب للاعراف والمواثيق الدولية وقرارات الشرعية الدولية أصبح مثيرا للسخرية !
وبعيدا عن تكرار المقولات الممجوجة عن تعنت اسرائيل، ونسفها لفرص السلام ، يمكن الإفادة من أحداث الأسابيع الماضية ،وبالتحديد التوتر النادر الذي حدث في العلاقات الأميركية الخليجية ، لجهة إعادة الاهتمام بالقضية الفلسطينية ، بعد أن تراجعت كثيرا على أجندة السياسة الإقليمية والدولية ، بفعل العواصف التي تجتاح المنطقة ، رغم أن فلسطين هي «أم القضايا «في المنطقة وقبل أيام مرت الذكرى 67 للنكبة.
هذا التوتر يشكل قاعدة يمكن البناء عليها ، ويؤكد إمكانية العرب في الضغط على واشنطن، إذا أرادوا استخدام الأوراق التي يمسكون بها ، لتصويب سياستها الظالمة للشعب الفلسطيني والداعمة للعدوان الاسرائيلي ، وثمة أساليب عديدة للضغط على الادارة الاميركية دبلوماسيا وسياسيا واقتصاديا ، في ملف القضية الفلسطينية.
لقد بدا التحرك الخليجي مؤخرا مزعجا لواشنطن، سواء بالنسبة لعدم أخذ موافقتها المسبقة على «عاصفة الحزم»، او بالنسبة لما جرى في قمة كامب ديفيد، وبالنتيجة فقد بلعت ادارة أوباما الطعم ، وكانت ردة فعلها مستجيبة ولو نظريا للرسالة السياسية، التي أرادت ايصالها دول الخليج ، وعكست ذلك تصريحات أوباما خلال قمة كامب ديفيد ، على محاولة استرضاء أو مجاملة دول الخليج، بتأكيد حرصه على أمنها واستعداد واشنطن لدراسة الدفاع عنها عسكريا ،اذا تعرضت لتهديد خارجي ،والمقصود هنا ايران وليس اسرائيل.
بغض النظرعن مسار العمليات العسكرية في اليمن وما سببته من خسائر، وتباين الاجتهادات بشأنها وكيف ستنتهي ، فقد بات واضحا أن إطلاق «عاصفة الحزم» تم اتخاذه بمعزل عن واشنطن وشكل أزعاجا لها ، لأن توقيت حرب اليمن تضارب مع المرحلة النهائية للمفاوضات النووية مع ايران،ولا يخفى أن أصابع طهران غير بعيدة عن انقلاب الحوثيين في اليمن ، فصارت الحرب أمرا واقعا أمام ادارة أوباما ،واضطرت لتقديم دعم لوجستي واستخباري للعمليات العسكرية. وذلك بعكس التقاليد السياسية التي ربطت العلاقات الخليجية الاميركية عبر عشرات السنين ،والانطباع السائد بأن الاستخبارات الاميركية تعرف كل صغيرة وكبيرة في المنطقة،ولا يطير عصفور في المنطقة بغير ارادة وموافقة واشنطن.
نكسة أخرى تعرضت لها ادارة أوباما ، تتمثل بغياب أربعة من زعماء دول الخليج « السعودية والامارات والبحرين وسلطنة عمان» عن قمة كامب ديفيد الاميركية الخليجية ، ولم يكن ذلك يخطر في حسابات واشنطن ،حيث كان البيت الأبيض قد أعلن أن أوباما سيجتمع على انفراد مع العاهل السعودي ،قبيل انعقاد القمة.
وبعد ساعات من تصريح البيت الأبيض ،أعلنت السعودية ان الملك سلمان لن يحضر، وسينيب عنه ولي عهده وولي ولي العهد ، وهو ما فسر بانزعاج سعودي من سياسة أوباما إزاء التقارب الاميركي الايراني ،والاتفاق النووي المزمع توقيعه مع طهران ،ومخاوف السعودية ودول الخليج من أبعاد هذا الاتفاق ، وما قد يشكله من مخاطر على أمنها ،وما يعنيه رفع العقوبات عن ايران من إطلاق يدها أكثر للتوسع والتخريب ، ونشر «فيروس» الطائفية في المحيط العربي،كما يحدث في العراق وسوريا واليمن ،فضلا عن التدخلات من خلال وكلاء نظام الملالي في لبنان والبحرين.وقبل أيام أعلن المرشد الأعلى الايراني ،أن بلاده ستساعد الشعوب «المظلومة» في اليمن والبحرين.
لن تحدث قطيعة في العلاقات الخليجية الأميركية ، فثمة مصالح متداخلة ، لكن كان واضحا ان ثقة دول مجلس التعاون تراجعت في ادارة اوباما لسببين ،الاول والأهم اندفاع واشنطن باتجاه انجاز اتفاق نووي مع ايران على غير رغبة دول الخليج، التي باتت تعتبر ايران تهديدا خطيرا لأمنها ،والثاني ما تعتبره السعودية ودول الخليج ،تلكؤ ادارة أوباما في حسم الصراع في سوريا لجهة التسريع باسقاط نظام الاسد.