أخر الأخبار
استراتيجية «نتنياهو»: إضاءة إضافية
استراتيجية «نتنياهو»: إضاءة إضافية

قامت الدولة الصهيونية في فلسطين على الإرهاب واتخذته استراتيجية ثابتة لبقائها، منذ (تيودور هرتزل) و(فلاديمير جابوتنسكي) مرورا بـ (ديفيد بن غوريون) وصولا إلى (بنيامين نتنياهو). ولا يختلف إثنان على أن هؤلاء وغيرهم من القادة الصهاينة يتمنون إبادة أو ترحيل الشعب الفلسطيني، والحيلولة دون الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف. لكن ما «يميز» (نتنياهو) هو هوسه بالسلطة وانتهازيته القائمة على ضمان ذلك بإثارة الكراهية واعتمادها سياسة (لإنجاح نفسه والبقاء في الحكم) ليس ضد العرب فحسب، بل حتى ضد أي يهودي يخالف طموحه وسياسته.
وإن كان (هرتزل) هو مؤسس فكرة الدولة الصهيونية و(جابوتنسكي) أول الداعين لإقامتها بالقوة، و(بن غوريون) صاحب سياسة طرد العرب، فإن (نتنياهو) هو الإنتهازي الذي تربى على كراهية كل ما هو عربي. ومنذ توليه رئاسة الوزراء لأول مرة في 1996، وصفته الصحف الإسرائيلية بشتى الصفات القبيحة: «هآرتس» وصفته بأنه «شخصية مدمرة خربة يمكنها تدمير المنطقة»، «معاريف» نقلت على لسان (روتي بن آرتس) شقيقة زوجته، بأنه «شخص متكبر، متغطرس، قاس، لا يعرف ماذا يريد، يكره أولاده وأسرته، ويهدد أمن إسرائيل والمنطقة بأكملها بالوصول إلى مرحلة الجنون». وقد استمرت هذه الأوصاف حتى اليوم، وخاصة بعد فوزه الأخير في الانتخابات الإسرائيلية، حيث قالت «يديعوت احرونوت»: «دعونا لا نخدع أنفسنا. نتنياهو يعد الاسرائيليين بكابوس». أما المعلق (بن كاسبيت) فكتب في «معاريف» ان «نتنياهو مصاب بجنون الارتياب»، بينما وصفه (ناحوم بارنياع) في «يديعوت احرونوت» بأنه «صاحب نفسية غير مستقرة ومضطربة جدا».
طبعا، ومع كثير من السياسيين والمحللين الإسرائيليين وغيرهم، لا ننسى أن (نتنياهو) شريك غير مباشر في اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق (إسحق رابين) إذ لعب دورا في خلق أجواء عامة مشحونة في إسرائيل أدت لاغتياله، منها اتهامه «بالمتعاون مع النازية». وقد أقر قاتل (رابين) (يجئال عمير)، أنه نفذ الاغتيال بعدما نال فتوى من الحاخامين اليهود تبيح قتل رئيس الحكومة في حال عرّض «أرض إسرائيل للخطر». لقد مثّل اغتيال (رابين) حالة «فريدة» في التاريخ اليهودي لم تحصل من قبل، وقد كان (نتنياهو) حينها الممثل الأكبر لجماعات اليمين المتطرف التي شيطنت (رابين) لإبرامه «اتفاق أوسلو» واعتماده على أصوات النواب العرب في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) لتمرير الاتفاق. وقد تبع عملية الاغتيال فوز (نتنياهو) بالانتخابات، حيث منذئذ تسيد اليمين المتطرف الانتخابات الإسرائيلية، وكشف عمق التفكير التوسعي العدواني العنصري في الفكرة الصهيونية وفي المجتمع الإسرائيلي المريض بالارتياب. وفي مقال حديث (12/5/2015) سجل (اسحق ليئور) في «هآرتس»: «أزمة السيادة، التي بلغت ذروتها باغتيال رابين، وبالتحريض ضد المقترعين العرب في يوم الانتخابات الأخيرة ولدت منذ احتلال شرقي القدس والضفة».
(نتنياهو) لديه القناعة الكاملة بأن القوة والقمع والردع هي الأدوات «الأمثل» للتعامل مع العرب. ولطالما ردد في حملاته الانتخابية: «أنا أعرف العرب جيدا؛ إذا رأوا أنك مستعد للتنازل والضعف يطلبون منك أكثر، وإذا رأوك قويا صلبا مصرا على رأيك يتنازلون»!! وهو قد استغل التكتيكات القائمة على إثارة العنصرية الإسرائيلية بأبشع تجلياتها. فالوحدة بين الأحزاب العربية، دفعته إلى مناشدة اليهود الخروج إلى صناديق الاقتراع ودعم الليكود عبر قتل فرص نجاح «اليسار» الإسرائيلي، ومن ثم إضعاف فرص منافسه (يستحاق هرتسوغ) زعيم حزب (المعسكر الصهيوني) من تشكيل حكومة.
اليوم، باتت صورة الدولة الصهيونية بوجود (نتنياهو) على مستوى عال من الكراهية لأنها باتت الأكثر يمينية وقومية في «تاريخها». وفي مقال بعنوان: «كراهية العرب ليست جريمة في إسرائيل اليهودية»، كتب (تسفي برئيل): «لا تُعد كراهية العرب جريمة في إسرائيل اليهودية. ولهذا فإن الاسم الجديد «جرائم الكراهية»–الذي يدفع (عصابات) «شارة الثمن» (الإسرائيلية) إلى السطح. والذين هم داء يعتمدون على كلام حاخامين (وأحزاب قومية/ علمانية متطرفة) يدعون إلى الكراهية».
وفي مقال كاشف لجوهر تكتيك واستراتيجية (نتنياهو) حمل عنوان: «إثارة خوف الإسرائيليين لاعتبارات شخصية»، كتب (آفا إيلوز) يقول: «فقط رؤساء دول قلائل، ممن تم انتخابهم بشكل ديمقراطي، استخدموا الخوف بهذا الشكل الفظ كدعامة للحوار السياسي، على شاكلة نتنياهو. لهذا السبب يعرض نتنياهو الخطة الذرية الإيرانية، والعالم العربي كتهديد قائم، مدعيا أن أوروبا تكره اليهود، وأنه يوجد يهود نسوا أنهم يهود، وأن اليساريين يريدون بيع الدولة للعرب – أو باختصار الكل، سواء من كانوا من داخل البيت (الإسرائيلي) أو من الخارج يريدون إحلال الكارثة على إسرائيل وعلى اليهود»!!! وفي ظني، ختاما، يتجلى عقم المراهنة على السلام مع (نتنياهو) إلا إذا ضمنت له شروط ذلك السلام: البقاء في الحكم والتربع ملكا على التاريخ اليهودي المعاصر.