رغم التحول المُفرط الى الورع في ايام الجمعة , وانقلاب صفحات التواصل الى منابر وعظية ورسائل تهنئة بالجمعة المباركة وتوزيع الدعاوى والادعية , كانت الجمعة الماضية نموذجا لواقعنا القائم على التناحر وتناقض الشخصية الواحدة وانتشار الاخبار دون تدقيق او تمحيص او حتى مراعاة للظرف الوطني , فالقضاء الواقف وقع في شبهة التزوير والوطن تدحرج كرة في الملاعب يتقاذفها الموتورون على المدرجات , ومحاولة إسكات قاضي القضاة في المسجد الاقصى وانتشار صورة المحبة والمودة بين بيريز وعباس وصبّاب القهوة لبيريز . كلها صور موجعة وتدفع الى الاحباط , وبعد المتابعة تكتشف ان الهتاف في الملاعب لم يكن بهذه الصورة المؤذية التي انتشرت والتي لاحقتها الاعين والاذان بشهوانية عجيبة , وأميل الى تصديق رواية الصديق عدنان الحلبي المشجع الفيصلاوي الذي كان في الملعب ونفى الهتاف , ويقول قاضي القضاة انه اكمل خطبته على منبر الاقصى وان ثمة شغب محدود قامت به مجموعة صغيرة تنتمي الى حزب محظور وهذا ما اكده النائب بسام البطوش الذي أدى الصلاة هناك , رغم التحفظ على الزيارة اساسا تحت نير الاحتلال , لكن الصورتين السابقتين تقولان ان ثمة شرخا في البناء الوطني , وهناك حالة اقرب الى التناحر بين ضفتي النهر تسحب ظلالها على المشهد المحلي . فجأة يجتاح المشهد صورتان مناقضتان لما سبق كله , حيث اثارت صورة اردني يقوم بتقديم القهوة لشمعون بيريز وبعدها صورة لابتسامات حميمة بين بيريز والرئيس الفلسطيني محمود عباس , بإشعال نار الوطنية والوحدة ورفع جذوتها الى السماء , فالقضية الفلسطينية في وجدان ضفتي النهر والجمهور السياسي والكروي تفاعلا مع الصورتين بمرارة ورفض لاستقبال بيريز ولتقديم القهوة العربية له وادانة اعمق لابتسامات عباس , فأي مشهد هذا الذي يفوح منه التناقض في اقل من يوم واحد , فهل نحن شعب متحول نهارا و ليلا , نهتف ضد فلسطين ثم ندين زيارة اعضاء الكيان الصهيوني , ام أن هناك ماكينة تحاول نبش الفتنة وتحضيرها على شكل صدام اهلي ؟ انتشار الصور الاربعة دفعة واحدة يربك اي مراقب فأي صورة يصدق واي صورة ينفي , في ظل صمت مطبق على المستوى الرسمي , وانشغال الجميع عن هذه الظواهر المريبة والمقلقة , فلقد سبق للملاعب ان اثارت الكثير من الفتن ومن جماهير الاندية على التساوي وليس من جمهور بعينه , وسبق ان حاولت فئات سياسية موتورة اشعال الفتنة بين ضفتي النهر والاستثمار في هذا الجانب ومارس بعض الرسميين سلوكا مؤذيا وصمت كثيرون عن مواجهة الخروجات على القانون والعبث بالثوابت . ليس المطلوب كثيرا ولا يحمل كلفة , نريد الرحمة بهذا الوطن الذي حضننا جميعا , نريد ان نحميه من نيران تقترب الى حدوده ومن خلايا نائمة تسعى الى الحاقنا بركب الضياع والفشل , نريد ان نتصالح مع انفسنا فقط كي نرى في المرآة صورتنا وليست صورة لا نعرفها , نريد ان نقترب من هذه الارض , ولا ندعها فريسة لقوى الظلام من الساسة والتجار والمتطرفين واصدقاء الخراب والدمار , نريد ان نحمي شوارعها من العنف وحوادث السير والقمامة . نريد ان نحميها من الفكر الاسود والسلوك الاناني والتضارب في الاقوال والافعال , لا نريد ان نصير مثل جيراننا الذين يبكون اوطانهم ويبكون ماضيهم بعد ان اضاعوا حاضرهم , نريد ان نسير في الاصلاح والبناء على قاعدة الثقة الوطنية والشعبية , نريد ان نكون رحيمين فيما بيننا ورحيمين بالاردن قبل كل شيء فقد أسأنا اليه كثيرا وجعلناه مادة لكل راغب في خبر مثير , ارحموا الاردن يا اردنيون