ليس مستغرباً أن يصل حسن نصر الله إلى الاشتباك مع «الشيعة» في لبنان وفي العراق وفي غيرهما من الدول العربية فهو ومنذ أن جرى «تنصيبه» زعيماً وقائداً أوحداً لحزب الله أتبع منهجاً مدعوماً بالسلاح وبالصوت المرتفعْ لإذابة كل مكونات هذه الطائفة من تنظيمات وقيادات عائلية وحزبية وسياسية وفي المقدمة من هذه المكونات حركة «أمل» التي انتهت زعامتها إلى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري بعد تغييب مؤسسها «الإمام» موسى الصدر الذي بدأ بإطلاق ظاهرة: «المحرومين» في لبنان وانتهى إلى هذا التشكيل السياسي – المسلح أي حركة المقاومة اللبنانية .
كان خطاب نصر الله الأخير, الذي سربته أو في حقيقة الأمر سربت المقاطع الخطيرة منه صحيفتا: «الأخبار» و «السفير» اللبنانيتين المقربتين من حزب الله, خطاب ردحٍ وخطاب شتائم واتهامات طالت حتى شيعة العراق الذين اتهمهم: «المقاتل في جيش الولي الفقيه» بأنهم قصَّروا في إسناد نظام بشار الأسد والدفاع عنه وطالت حتى شيعة لبنان الذين وصفهم بأنهم «شيعة السفارة الأميركية» .
والواضح من خطاب «الإفك» هذا أنَّ منْ يسميه أتباعه بـ «سيد المقاومة» قد طفح كيله فعلاً وأنه بات يتحدث ويتصرف تحت ضغط شعوره بانهيار كل مخططاته وفشل كل تصوراته فنظام بشار الأسد بات يتصدع أمام عينيه والمد الإيراني في هذه المنطقة أُصيب بنكسة كبيرة في اليمن وهذا بالإضافة إلى مواجهتة لصعوبات فعلية وحقيقية في العراق وبالإضافة إلى أن عمليات التجنيد لحزبه بعد سلسلة الخسائر المتتالية التي مُني بها في سورية وفي «القلمون» قد تراجعت إلى حدِّ أنه بات يستدرج حتى الأطفال لهذه المهمة وإلى حدِّ أنه قد أكد في هذا الخطاب على أنه سيعلن التعبئة العامة .
كل عربدات حسن نصر الله السابقة قد تراجعت وكل ادعاءاته بأنَّ نظام بشار الأسد منتصر لا محالة قد سقطت سقوطاً ذريعاً ولذلك فإنه لم يجد «ما يكبُّ شره عليه» إلا شيعة لبنان وفي مقدمتهم بالطبع حركة «أمل» وأمينها العام نبيه بري فهؤلاء لأنهم تخلوا عنه وباتوا غير مقتنعين بحربه ولا بتحالفاته أصبحوا: «شيعة السفارة الأميركية» والواضح مما نشر من كلامه أنه غير مستبعد وعلى الإطلاق أن يبادر وقريباً لافتعال صدام مع حركة المقاومة اللبنانية كذلك الصدام القديم الذي كان أفتعله معها وكان بمثابة حرب شيعية – شيعية !!
كان حسن نصر الله قد ذهب بمقاتلي حزبه إلى سورية وهو على قناعة تامة بأنه سيجترح الانتصار لبشار الأسد ولنظامه على المعارضة السورية خلال أيام قليلة وحقيقة أنه قد أصيب في لحظة من اللحظات بغرور طافح جعله لا يتردد في أن يقول أنه لو لم يتدخل بقواته في الأزمة السورية في اللحظة المناسبة لكان هذا النظام, أي نظام بشار الأسد, قد انهار خلال ثلاث ساعات وهذا ربما أنَّ فيه الكثير من الصحة ولكن على اعتبار أن التدخل الفعلي هو التدخل الإيراني وهو التدخل الروسي .
الآن وبعد أربع سنوات من استنزاف شيعة لبنان بحرب من المفترض أنها ليست حربهم وبعدما أتضح أن نظام بشار الأسد بات على وشك الانهيار النهائي فإنَّ ما قاله حسن نصر الله في خطاب «الإفك» هذا يدل على أنَّ معاركه المقبلة وربما بالسلاح ستكون ليس في «القلمون» ولا في منطقة مقام السيدة زينب في ضواحي دمشق ولا في بعض قرى حلب وحمص وحماه وإنما في ضاحية بيروت الجنوبية نفسها وفي صور والنبطية وفي الجنوب اللبناني والبقاع فأبناء الطائفة الشيعية ما عادوا يتحملون الاستمرار بأن يكونوا وقوداً لنزوات «سيِّد المقاومة» فقد طفح الكيل وثبت أن كل هذه الحروب ليست حروب أبناء هذه الطائفة الكريمة لا في بلاد الأرز ولا في بلاد الرافدين ولا في أيِّ مكان من الوطن العربي والعالم .