ما الذي كان من الممكن لاسرائيل ان تفعله بالوطن العربي اكثر مما فعل هو بنفسه ؟ هل كانت في حالة نشوب حرب شاملة ستقتل من العرب اكثر مما قتلوا من بعضهم، وان تدمر من آثارهم ومتاحفهم اكثر مما دمروا بمعاولهم ؟ ان عدوا محظوظا ذلك الذي ينوب عنه عدوه في تدمير ذاته، بحيث لا يخسر جنديا او حتى رصاصة في حرب انقلبت بوصلتها واصبحت بين التوائم او الاخوة الاعداء ... نادرا ما يحدث هذا في التاريخ، بحيث يظن من ينتحر انه انتصر على نفسه ومن يقتل اخاه انه ضمن مستقبل احفاده، فمن يفعلون ذلك الان هم قطط تورطت بلحس مبارد الحديد وما تستعذبه وتستمرىء مذاقه هو دمها وليس اي شيء آخر، وسوف تكتشف حقيقة ما جنت به على نفسها بعد فوات الاوان، لأن دمها كله اصبح في جوفها . حين سمّوه ربيعا لم يكن اي سنونو قد لاح في الافق، وحين هبّت العاصفة اسقطت كل البراعم عن الاغصان والتي كانت تبشّر بموسم قادم . ربيع مترجم عن زمن اوروبي توقف عام 1848 في قرن سماه مؤرخوه قرن الايديولوجيا وصراعاتها، فالتاسع عشر هو الذي مهّد لحربين في القرن الذي أعقبه، لأن الحروب لا تبدأ مع الرصاصة الاولى، بل قبل ذلك بكثير، مع الكلمة المشحونة بنزعة العدوان ومع النزعة الاولى للاقصاء والاستحواذ، لهذا فالحروب لها بدايات اخرى ونهايات اخرى ايضا غير تلك التي تضع فيها اوزارها، ولدينا مثال عربي طازج هو حرب حزيران 1967 ، فهي مستمرة حتى الان لكن بلا مدافع وبلا مارشات او بيانات عسكرية، انها مستمرة لأن الاحتلال مستمر ويتجدد مع كل شروق شمس، لكن ضحاياه اذا اصابهم العمى يألفونه ويتأقلمون مع هزيمتهم ويتصورون انها قضاء وقدر ! اسرائيل لم تعلن انه ربيعها، لكنها تعيشه باستغراق، فهي الان خارج المدار وخارج الهدف وتنعم بجعبة نووية يحظر الاقتراب منها . لم يكن الربيع عربيا بقدر ما كان عبريّا، لكن ذلك يتطلب رؤية مغايرة للسائد بكل ما يعج به من تغريب وتهريب . الربيع العبري يتلخص في ان الاعداء او من كانوا كذلك اداروا فوهات البنادق نحو انفسهم، لأن ثقافتهم تأسست على ظلم ذوي القربى الاشد مضاضة، لهذا كذب من قال انا واخي على الغريب، لأن الحقيقة انه مع ابن عمه على اخيه ومع الغريب على ابناء عمومته كلهم