يتفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي وحتى السياسي في قطاع غزة بسرعة ويزداد سوءاً. فآثار الحرب الأخيرة على القطاع والتي أضيفت إلى الحصار الخانق الذي كانت تفرضه إسرائيل وإلى واقع إغلاق معبر رفح ومحاربة الأنفاق من جانب مصر قادت الوضع إلى الدرك الأسفل. وبات الأمر واضحا للقريب والبعيد على حد سواء مع فارق الاهتمام بعمل شيء على هذا الصعيد.
فقيادة السلطة الفلسطينية في كل من رام الله وغزة تتصرف على أساس أن الوضع لا يمكن أن يتغير من دون أن يتنازل الطرف الأخر ويقبل بكل مطالبه. ويدعي كل طرف أنه قدم تنازلات من جانبه وأن الطرف الآخر هو من يضع العقبات. ورغم تشكيل حكومة التوافق الوطني التي ألغت منطق وجود حكومتين تدعي كل منهما الشرعية واحدة في رام الله والثانية في غزة، فإن شيئا فعليا على الأرض لم يتغير. ظلت حكومة التوافق تتحدث عن حكومة ظل حمساوية في قطاع غزة تشكل عمليا الحكم الفعلي في القطاع. وظلت حماس في غزة تتهم حكومة التوافق بأنها صيغة أخرى من حكومة رام الله وتهدد بتحرك مغاير لكسر دائرة الحصار المفروض.
وبين هذا وذاك تؤمن أوساط فلسطينية كثيرة بأن الأمور تتجه نحو نوع من الانفصال وتكريس الفارق بين القطاع والضفة إذا استمر الحال على ما هو. ويقول آخرون بأن إسرائيل، خصوصا حكومة نتنياهو المعنية بعدم التوصل إلى تسوية على أساس حل الدولتين، تسعى لتكريس انفصال الضفة عن القطاع. وهنا وهناك يتكرر الحديث عن وجود مخطط لإقامة إمارة إسلامية أو دولة في غزة من دون البحث جديا عن قدرة هذه الدولة على الحياة في ظل الواقع الجيوسياسي القائم.
ولا يخفى على أحد أن حركة حماس التي تسيطر فعليا على قطاع غزة هي المتهمة أكثر من سواها بالعمل على إنشاء الإمارة أو الدولة التي يجري الحديث عنها. لكن حماس ترفض هذه الاتهامات وتؤكد أنها ضد كل محاولة لتجزئة القضية أو فصل القطاع عن الضفة لكنها ترفض محاولات فرض الوصاية عليها من أي طرف كان. وتقول إنها قدمت تنازلات كثيرة من أجل المصالحة وتحقيق الشراكة ولكن الطرف الثاني هو من يرفض لأغراضه الخاصة.
ومهما يكن الحال من الواضح أن تفاقم الوضع الاجتماعي والاقتصادي قاد العديد من القوى الاقليمية والدولية إلى محاولات البحث عن مخارج. وتحركت قوى أوروبية في محاولة لإيجاد سبل لتفعيل المصالحة وحل الخلافات بين حماس وفتح. كما تحركت قوى عربية مثل قطر وحتى تركيا من أجل إيجاد مخارج. وبصرف النظر عن كل ما يقال فالنتيجة على الأرض حتى الآن هي صفر. وكثيرا ما يردد مسؤولون من حماس أو فتح كلاما يفهم منه أن الطرفين لا يزالان في مربع الخلاف الأول.
لكن، وبعيدا عن تجميل الكلام، ثمة طرفان يبدوان أقرب من أي طرف ثالث إلى محاولات البحث عن مخارج: حماس وإسرائيل. ويعود اهتمام حماس بالمخارج لكونها الجهة المسؤولة التي ترفض حتى الآن الخروج من دائرة الحكم في غزة، بغض النظر عن أسباب ذلك. وتعتبر حماس، ولو شكليا، أن تخليها عن المسؤولية هو افساح لخلق فراغ في ظل انعدام وجود أي قوة أخرى لملء الفراغ. أما إسرائيل فيعود اهتمامها لواقع أنها في نظر العالم لا تزال قوة الاحتلال كما أنها بسبب سيطرتها البرية والبحرية والجوية هي من أوصل القطاع إلى هذا الحال.
ومن الجائز أن إحدى أهم العبر التي استخلصتها إسرائيل من حرب ألـ51 يوما في الصيف الفائت هي أن الحصار لم يعق المقاومة عن تعزيز قوتها وأسهم في خلق التفاف حول المقاومة. وليس طول الحرب وانعدام الحسم هو ما أزعج إسرائيل وإنما أساسا قصر المهلة بين الحروب في غزة والتي صارت بمعدل حرب كل عامين فضلا عن الاشتباكات المتقطعة. وزاد الطين بلة في نظر إسرائيل أن مدى خطر المقاومة ازداد وتكثف حيث تم في الحرب الأخيرة إدخال تل أبيب وما بعدها في معادلة غزة.
وإلى جانب ذلك صارت تتكاثر لدى الإسرائيليين مخاوف من نوع جديد تتمثل في أن تضطر الأزمة التي تعصف بغزة أهلها إلى تفجير أزمتهم في وجه إسرائيل بوصفها المسؤولة الأساسية عن وجودها. ورغم محاولات إسرائيل التنكر لمسؤوليتها عما يجري في غزة فإن واقع أن ثلثي أهالي قطاع غزة هم من اللاجئين تؤكد دوام مسؤولية إسرائيل عن طردهم من أراضيهم وقراهم خلف الحدود. وربما لهذا السبب صارت تتزايد في إسرائيل الدعوات لفك الحصار عن غزة بل والتفاوض حتى مع حماس من أجل إعادة إعمار القطاع وإعادة فتح أفق للأمل أمام سكانه.
وهنا تصطدم إسرائيل بواقع أن الأسرة الدولية، غالبا، ما تريد أن تتم خطوات الانفتاح عبر السلطة الفلسطينية. وإسرائيل اليمينية ليست مرتاحة للسلطة الفلسطينية في رام الله على الأقل بسبب قبولها بحل الدولتين. وهذا يعرقل جديا مساعي الضغط العالمية للتخفيف عن غزة. وبالتوازي فإن الصراع بين مصر وحماس يشكل سببا عند الإسرائيليين لعدم التساهل أكثر مع حماس حتى لا يؤثر ذلك على العلاقات مع مصر.
وهكذا يجد القطاع نفسه في دوامة يصعب الخلاص منها. مشاريع لإعادة الإعمار تقابل بنوع من العوائق التي تجعل الأمور في مكانها جامدة. والخطر يتراكم لدرجة أن افتتاحيات صحف إسرائيلية صارت تحذر من الخطر ولدرجة أن الرئيس الإسرائيلي، ريفلين، نفسه دعا لتقبل التفاوض مع حماس إذا كان في ذلك حلا لمشكلة القطاع.