لم يكن (اللواء) جبريل الرجوب مضطراً لإظهار كل تلك البهجة التي بدا عليها، وهو يهنئ جوزيف بلاتر بفوزه برئاسة "الفيفا"، وهو يرفع عالياً سيفاً مذهباً أهدي إلى الرجل، فالخاسر في هذا الفوز أمير أردني، للفلسطينيين عواطف معلومة تجاهه، عدا عن أن خصوصية العلاقة الأردنية الفلسطينية (وحساسيتها؟) كانت توجب على الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم أن يلحس وعداً أعطاه إلى بلاتر، فتصوت فلسطين للأمير علي بن الحسين. جاء هذا السلوك الذي أغضب الفلسطينيين قبل الأردنيين، وبالأداء الركيك الذي شاهده الملايين، معطوفاً على فعلةٍ مبتذلة، أقدم عليها الرجوب، (قيادته على الأصح)، في سحب طلب فلسطين تعليق عضوية إسرائيل في الاتحاد الدولي لكرة القدم، والاكتفاء بتصويتٍ على تشكيل لجنة تبحث تنقل اللاعبين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
لم يكن في مداركنا أن السلطة الوطنية الفلسطينية شربت حليب السباع، وشرعت في مبارزة أخلاقية وحقوقية مع دولة الاحتلال العنصري في محفل دولي، اسمه كونغرس "الفيفا". فأرشيف السلطة المذكورة في وقائع من هذا الطراز لا يُطمئن، ولا يؤشر إلى أي منسوبٍ زهيد من النجاح، ليس لأن لإسرائيل علاقاتها المتينة، وتحميها دول كبرى في قصص من هذا النوع، ولكن أيضاً لأن الغرّ الميامين في دولة فلسطين يخوضون هذه المبارزات برداءةٍ مخجلة، ومن دون استعداد مسلح بعتادٍ قانوني وسياسي وإعلامي. ولم نكن لنزعل من هؤلاء من الخسارة في النتائج، ولكن، ثمّة مقادير من حسن الدراية في اللعب القويم يلزم أن يتوفر عليها من يتولى مسؤوليةً رفيعة في ساحاتٍ دوليةٍ ومنتظماتٍ عالمية، لا تحتكم، غالباً، إلى الحق والحقيقة، وإنما إلى كيفيّات تقديمك الحق الذي تنطق بشأنه، وأسلوب عرضك الحقائق التي تناهض بها خصمك.
لأن المسألة على هذا النحو في جوهرها، يصبح الرجوب تفصيلاً عابراً، فالمنظومة الفلسطينية الرسمية، وبالسوّية التي عليها منذ عقود، ليس في وسعها أن تستثمر ممكناتٍ غير قليلة في فضاءات المجتمع المدني العالمي، في أوروبا وأميركا وإفريقيا وآسيا، حيث شخصياتٌ وقوى ومؤسسات وتكتلات حقوقية وأكاديمية وثقافية، لها تأثيرها وفاعليتها، سياسياً وإعلامياً. وهذه الوفود الأجنبية التي تتقاطر منذ سنوات إلى فلسطين، تضامناً مع شعبها في مواجهة الحصار والاستيطان وجدران الضم والتوسع، وقد تحمّل ناشطون وناشطات فيها إيذاءً إسرائيلياً غير هيّن، وصل إلى القتل في البحر والبر، هذه الوفود تعبيرٌ عن ضمير حي باق في العالم، منحاز إلى الحق الفلسطيني. وإذا كنا لا ننسى النجاح العربي العتيق، في إصدار الأمم المتحدة قرار الصهيونية حركة عنصرية، في زمن انقضى (1975)، فإننا لن ننسى أن زمنا آخر، كان فيه اليباس العربي في ذراه (1991)، شهد إلغاء المنظمة الدولية قرارها ذاك.
لم يعد مجديا الرهان على المؤسسة الرسمية الفلسطينية، في إسناد الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل، ونظن أن نجاح التمثيلات والشبكات الأهلية المدنية من كل العالم في مؤتمر دوربان (جنوب إفريقيا) العالمي لمكافحة العنصرية في العام 2001، في استصدار قرار يدعو إلى معاقبة إسرائيل، ويصفها دولة تمييز عنصري، الأمر الذي لم يستطع إعلانه المؤتمر في شقه الحكومي، إنما يعني أن الرهان على تشكيلات فلسطينية أهلية، تنشط في التواصل مع مثيلاتها في العالم أنفع. وقد تكون في محلها مطالبة جبريل الرجوب، ونظرائه من المسؤولين الفلسطينيين في غير موقع، إلى ألا يجهدوا أنفسهم في ما لا قِبل لهم به، في زيوريخ وغيرها، في أيٍّ من ساحات اللعب، الرياضي والسياسي، وأن يخلّوا بينهم وبين ذوي الأهلية، ممن أدرى منهم وأعرف بطرائق التواصل مع العالم، في قضايا عزل إسرائيل، وأيضاً في التعامل مع الإعلام، واحترام مشاعر الجمهور الفلسطيني العام، ليس فقط في خذلان علي بن الحسين، بل أيضاً في خذلان أمةٍ في غير شأن ومسألة.