أسامة الرنتيسي
الإبداع الشعبي المصري في الميادين يرسم صورة جميلة للأيام التي تنتظرنا. وهم يعرفون بالضبط ماذا يفعلون، فقد رفعوا شعار "ارحل" ليس للرئيس فقط، بل لمرشد الإخوان، وقالوا "فليسقط حكم المرشد" وبدأوا رسم الخارطة من جديد.
الخارطة بدأت رسمها وتحديد ملامحها ثورات الشعوب العربية، ولا أحد آخر غيرها! رغم أن المصطلح بحد ذاته، يثير التوجس لدى الكثيرين بسبب إطلاقته الأولى المقترنة بتصور أمريكي لحل الصراع العربي الإسرائيلي.
ومثلما هي اللغة ليست حكرا على أحد، كذلك السلطة السياسية، فهي أبعد ما يجب أن تكون في دائرة التفرد والاستحواذ تحديدا بعد الثورات العربية الأخيرة، التي تواصل سيرها الميمون من أجل استكمال مراحلها والوصول إلى تحقيق أهدافها المنشودة في الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة والسيادة الوطنية البعيدة عن التبعية للأجنبي.
الشعب المصري المشبع بالتديّن، يثور ضد حكم المرشد معلنا أنه سيواصل النضال دون توقف طويل – كما حصل في الماضي – من أجل تحقيق أهداف الثورة.
لقد أثبتت المرحلة الثورية الثانية المجيدة، التي يخوض غمارها الشعب المصري في الميادين، أن الصراع الاجتماعي والسياسي في البلاد، لم يكن ولا يمكن أن يتحول إلى صراع ديني أو طائفي، مهما حاول أهل الحكم أن يحرّفوا المسارات عن خطوطها الطبيعية، وهل يجرؤ أحد بعد ـ إن خرجت كل هذه الملايين وافترشت الساحات ليلا نهارا مطالبة بالتغييرـ أن يتهمها أحد بالكفر والزندقة؟
وحدهم "كتبة الإخوان" ومن دون خجل، يقولون إن فلول النظام السابق، والطائفة القبطية هي التي تتظاهر ضد حكم مرسي، لقد أصبح الأقباط، وهم أصل مصر، طائفة في زمن الإخوان المسلمين، فأي عهر سياسي يمكن أن يصنف هذا السلوك؟
في تعليقه على الأحداث الجارية، نطق القرضاوي مخاطبا الشعب المصري "صبرتم على مبارك ثلاثين عاما، ألا تستطيعون الصبر على مرسي ليكمل دورته الرئاسية"؟ هكذا إذن، فالمطلوب هو الصبر على الأذى والظلم والاستبداد، بدلا من المطالبة بتحقيق العدالة، وتصويب سياسات الحكم، هكذا يريد القرضاوي. المطلوب هو الانتصار للفئة الحاكمة حتى لو كانت ظالمة، وليذهب الشعب إلى الصبر أو القبر لا فرق ما دام حزب الإخوان يحكم مصر.
إنّ الأحداث الجارية في مصر، ومهما أفضت إلى نتائج وتطورات فإنها لن تعود بنا إلى الوراء مرة أخرى، ولا نعرف متى سيصدق حزب الإخوان . إن عصر استبداد الحزب الواحد، والفئة الواحدة قد ولى إلى غير رجعة، بعد أن ذاقت الشعوب العربية تحديدا مراراتها وأحزانها وفظائعها التي لا توصف على مدى عقود من الزمان.
لا شك أن تداعيات الأحداث في مصر، سيكون لها انعكاساتها الكبيرة على التحولات في العالم العربي ، وما الرهانات التي عقدتها القوى الكبرى على دور حزب الإخوان في الحكم إلا ضرب من الوهم، لأنه ببساطة، لا يؤمن بالتعدد، ولا يحترم الآخر، وليس لديه برنامج ولا إجابات على المصاعب الجمة للأحوال المعيشية للناس.
إن أفضل سمة حضارية وثورية لدى الشعب المصري منذ الثورة الأولى هي سلمية التعبير عن الاحتجاجات، حيث يتمسك بها في كل سلوك وخطابات قادة المعارضة ، وهي خطابات لا تخلو من مناشدة أهل الحكم بحقن الدماء وعدم استخدام "الأسلحة البيضاء"، التي يهددون بها المعارضة علنا.
لم نسمع الكثير بعد عن خارطة الطريق القادمة في مصر، ولكن من المؤكد أن الأفضل هو مشاركة الجميع في هيئات الحكم بما في ذلك حزب الإخوان وعدم إقصاء أحد، وفتح الباب واسعا أمام استعادة الدستور المخطوف لإجراء تعديلات تتناسب مع حضارة وتقدم شعب مصر العظيم.
ستفتح المتغيرات في مصر، على متغيرات إيجابية واسعة في العالم العربي باتجاه الديمقراطية واستعادة الحقوق الإنسانية المصادرة.
الربيع العربي يتجدد جناين في ميادين مصر، وانتظروا الميادين الأخرى.