حسان حيدر
طالما أن دول مجلس التعاون الخليجي متيقنة من مشاركة قوات إيرانية في الحرب السورية إلى جانب نظام بشار الأسد، اضافة إلى مقاتلي «حزب الله» الذين يقارب عددهم الخمسة آلاف في جبهتي حمص ودمشق، فليس أمامها، في ظل تعطيل روسيا دور مجلس الأمن، سوى خيار وحيد: تطبيق معاهدة الدفاع العربي المشترك، حتى في غياب الإجماع على مثل هذه الخطوة بين العرب انفسهم.
أما انتظار أن تغيّر الولايات المتحدة رأيها وتقتنع بضرورة التسليح الفعلي للمعارضة، وليس التسليح اللفظي وفذلكاته، أو أن يقتنع الأوروبيون بالتخلي عن مخاوفهم المبالغ فيها من متشددي الثورة السورية وأصولييها، ويبادروا إلى تنفيذ وعودهم بالتسليح، فيعني منح النظام مهلة مفتوحة زمنياً للقضاء المتدرج على المعارضة مستفيداً من الدعم الروسي غير المحدود ومن انخراط ايران وأتباعها دفاعاً عنه.
فالاكتفاء بالبيانات الأميركية والأوروبية التي تغلب عليها الخطابة ويمكن توقع محتواها سلفاً، لن يجدي في تغيير موازين القوى على الأرض، رغم «التزام» الغرب الشفوي بالسعي إلى ذلك، بل لا بد من أن تلجأ الدول المعنية بمواجهة المد الإيراني في العالم العربي إلى خطوات عملية من دون انتظار مجلس الأمن ولا التوافق الدولي أو العربي، واتخاذ قرار جريء وعلني وحاسم بدعم الثورة السورية عسكرياً بما في ذلك إرسال قوات للمشاركة في القتال.
وإذا عدنا قليلاً إلى التسعينات، لسألنا ماذا لو لم يتحقق إجماع دولي على إدانة الغزو العراقي للكويت في 1990 وتُوجه إنذارات دولية متعددة إلى صدام حسين بضرورة سحب جيشه؟ هل كانت دول الخليج ستنتظر إلى أن يتفق الأميركيون والروس والأوروبيون على وجوب تحرير الكويت؟ بالطبع لا، بل كانت دول مجلس التعاون الخمس الباقية ستخوض معركة التحرير بقواها الذاتية.
واليوم إذ يعتبر مجلس التعاون أن سورية باتت أرضاً محتلة وترى الرياض أن المقاومة السورية تخوض حرباً ضد محتل اجنبي (ايران و»حزب الله»)، فالتتمة المنطقية لهذا الكلام اتخاذ خطوات عملية للدفاع عن دولة عربية ارتكب حاكمها فعل الخيانة عندما سمح بدخول قوات أجنبية لقتل شعبه. ذلك أن للأميركيين والأوروبيين غير المستعجلين مصالح ومفاهيم خاصة قد تلتقي في إطار عام بمصلحة العرب الساعين إلى وقف سفك الدم في سورية، لكنها تبتعد عنهم في التفاصيل. وهكذا كلما التقى وزيرا الخارجية الأميركي والروسي لبحث الوضع السوري، تأجل مؤتمر جنيف-2 لنقل السلطة فترة اخرى، وكأنهما يقولان لنظام الأسد إن أمامه مهلة جديدة لتحسين وضع قواته على الأرض، فيما هو يمعن في «تطهير» المناطق التي يفترض أن تشملها خريطة دويلته البديل. أما الأوروبيون العاجزون عن اتخاذ قرار مستقل من دون موافقة الولايات المتحدة، فيعدون ثم يتراجعون ويضيعون الوقت في التفتيش عن حجج وأعذار لترددهم.
هل هذه دعوة إلى حرب عربية - عربية جديدة؟ لا، بل دعوة إلى تصحيح وضع لم يعد يطاق، مع ارتفاع التقديرات غير الرسمية لضحايا همجية النظام السوري إلى اكثر من 200 ألف قتيل ونصف مليون جريح (رقم يفوق بمرات ما خسره العرب في ثلاث حروب مع إسرائيل) ومع الفرز الطائفي الذي يهدد استقرار العالم العربي لعقود طويلة إذا ما أتيح لإيران أن تربح الحرب السورية.