الربيع الاقليمي الذي حمل ملامح الخريف وصل الى تركيا عبر صناديق الاقتراع. الانتخابات النيابية اعطت نتائجها على عكس ما تمنى سلطان تركيا الجديد رجب طيب اردوغان ، الذي سقط في وهم طموحه بناء امبراطورية عثمانية جديدة.
الثابت ، وحسب نتائج الانتخابات ، وخسارة حزب العدالة والتنمية الحاكم الاغلبية البرلمانية ، ان الشعوب لم تعد قابلة بحكم الفرد الواحد ، او قادرة على تحمل حكم الحزب الواحد ، حتى لو حدث ذلك عبر صناديق الاقتراع وحسب ما تفرضه اللعبة الديمقراطية. ففوز الكماليين والقوميين والاكراد بهذه النسبة من المقاعد قضى على حلم السلطان اردوغان الذي بنى قصره الجديد تمهيدا لاقامة امبراطوريته الجديدة.
كان هدف اردوغان ان يفوز بالنسبة التي تمكنه من اقامة النظام الرئاسي عبر الدكتاتورية الدستورية الذي مارسها حزب العدالة والتنمية عبر اكثر من 13 عاما متصلة. ولكن جرت رياح تركيا في الانتخابات الاخيرة على عكس ما اشتهى اردوغان وحزبه. فقد كانت النتائج اقرب الى صرخة قوية تنادي بالتغيير ، وان كانت العلاقات بين الاحزاب الفائزة الاخرى غير مطمئنة ، الا ان هناك نوايا لايجاد معارضة صلبة تعترض مسيرة السلطان الذي استحوذ على كل السلطات.
وهذا التغيير لم يفاجىء الشعب التركي الذي ما زال معظمه يؤمن بزعامة الرمز القومي التركي كمال اتاتورك ودولته العلمانية. ولكن حزب العدالة والتنمية حاول تغيير هذا الواقع بمشروع بعث «العثمانية الجديدة» بزعامة رجب طيب اردوغان ، عبر اصلاحاحات اولية في الداخل ، وبناء شبكة علاقات اقليمية ، والارتباط بالراسمالية الدولية ، والحفاظ على موقع تركيا في حلف شمالي الاطلسي في وقت واحد.
واليوم نستطيع ان نؤكد ان حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة الطيب اردوغان وصل الى طريق مسدود ، وامامه خيارت صعبة ، وعليه ان يقرر ويختار بين تشكيل حكومة اقلية قد تنهار في البرلمان ، او السعي الى تشكيل حكومة ائتلاف ضعيفة وغير قادرة على تحقيق طموحاته في الداخل ، وعلى الصعيد الاقليمي والدولي ، خصوصا بالنسبة لموقفه من الازمة السورية ودعمه للمنظمات المسلحة ، او بشأن علاقاته المتوترة مع طهران ، او الخيار الثالث والاخير وهو الدعوة لانتخابات مبكرة ، وهو الخيار الاقرب للواقع حتى ولو بعد حين.
امام هذا المشهد بمستجداته وتطوراته وتعقيداته ، من الواجب ان نعترف ان اردوغان حقق الجزء الاكبر من مشروعه التركي خلال فترة حكم حزبه ، ولكنه ارتكب الكثير من الاخطاء والخطايا في الداخل والخارج ، بسبب ممارسته سياسة الاقصاء ورفض الاخر وعدم تحقيق المشاركة وانفراد الحزب وقيادته بالحكم ، وصدامه مع الجيش الاتاتوركي ، وممارسة سياسة القمع ضد المعارضة. اضافة الى ذلك تدخله المعلن والسافر في الشأن السوري. هذه الممارسات اظهرت فيه عقدة العظمة وعززت احساسه الوهمي بالتفوق لدرجة الغرور ، الذي كان وحزبه من ضحاياه ، والآتي اعظم.