ليس رمضان وحده، فالنشرة الجوية شتاء تمارس هذه الثنائية بين الطبع والتطبع، والغلبة دائما هي للطبع، وقد تنبّه ابن خلدون منذ قرون لذلك، فرغم كل محاولات التحذير والوعظ تتكرر الوتيرة ذاتها، فقبل يومين فقط من رمضان يعود الطبع ويبدأ التخزين وتتحول الاسواق الهادئة وشبه الفارغة في الايام العادية الى طوابير وكأن ما تعج به من سلع وأغذية هو آخر ما تبقى مما انتجته الصناعة والزراعة، وباختصار يتحول المشهد كما لو ان حربا وشيكة دقت طبولها . منذ ايام ونحن نسمع من وسائل الاعلام نصائح موسمية عن الاقلاع عن هذه العادات لكن من قرروا وضع الطين والعجين في آذانهم لا يسمعون وان سمعوا قد يسخرون لأن الطبع باختصار يغلب التطبع . يحدث ذلك ايضا عندما يلوح في الافق الشتائي شيء من البياض ، بحيث تفرغ رفوف المخازن والاسواق في ساعات قليلة ويشح الخبز بحيث لا يحصل على رغيف واحد من صدق ان التطبع غلب الطبع، ولا ادري ما الذي يضيرنا اذا حصلنا على الخبز الطازج يوما بيوم ولم تمتلىء به الثلاجات ؟ ان ما هو معروض من السّلع والغذاء يفيض عن حاجة المستهلك، وليس هناك سبب واحد منطقي يبرر هذه العادة الموسمية اللهم الا اذا كانت قد تحولت الى طقوس، او ان الفراغ هو ما يدفع الناس الى استثمار اية مناسبة خصوصا هؤلاء الذين لهم في كل عرس او مأتم قُرص ! حتى الدراما العربية التي تبث على مدار الساعة بالذخيرة الحية والدم الطري تختفي وراء ركام من المسلسلات التي تُطبخ على عجل وتتكرر موضوعاتها على نحو مضجر فالفضائيات والارضيات معا تمتلىء شاشاتها بما هو متكرر ومحفوظ عن ظهر قلب، اضافة الى الاخطاء التاريخية التي تعج بها المسلسلات التاريخية والتي يتنطع لكتابتها محترفون نادرا ما يراجعون الاحداث للتأكد من صحة الروايات التي تحتاج الى غربال صارم يفرز غثّها عن سمينها وقمحها عن زؤانها ! انه لأمر يثير الدهشة ان يصرّ الناس على الاستمرار في طباع وعادات افقدها الزمن مبرراتها، وفي زمن العولمة التي جعلت رفا واحدا في سوبر ماركت يمتلىء بصادرات القارات الخمس، لكنه الطبع، الذي سرعان ما يتكشف على حقيقته رغم كل المزاعم بأن الدنيا تغيّرت !