لمن لا يعرف عليه أن يعرف أن هناك شيئاً في النظريات العسكرية منذ بدء الخليقة وحتى الآن اسمه: «الدفاع الإيجابي» وهو أنْ تقاتل الخصم أو العدو خارج حماك أو خارج حدودك وأعتقد أن هذا هو ما عناه الأردن عندما أعلن على ألسنة كبار قادته العسكريين أنه لن يسمح لمن يستهدفه وبخاصة في هذه المرحلة أن يقترب من حدوده وأنه سيتصدى له خارج الحدود الأردنية سواءً كانت الحدود الشرقية أم الحدود الشمالية .
إنَّ مناسبة هذا التأكيد على هذا الأمر هو أن هناك من تناول موضوع دعم العشائر السورية والعراقية إما لعدم معرفة وإما من قبيل الاصطياد في المياه العكرة وإما لـ «غرضٍ في نفس يعقوب» بطرقٍ حمالة أوجه وبالغمز واللمز والتشكيك ولعل ما هو مستغرب أنَّ هناك من ذهب بعيداً وتناول هذه المسألة بطرق ملتوية وكأن هناك خلافاً بين الأردنيين على أمرٍ هو بالأساس غير موجود وغير مطروح على الإطلاق .
عندما قال الأردن أنه سيوفر «الحماية» لعشائر غربي العراق وشرقيِّ سوريا فإن المقصود بهذه الحماية هو تسليح وتدريب أبناء هذه العشائر لتدافع عن نفسها ضد تنظيم «داعش» الإرهابي تحديداً وذلك لأنها بقيت «مكشوفة» ومستباحة من قبل هذا التنظيم ولأكثر من ثلاثة أعوام والسبب هو أن التوازنات المستجدة في هاتين الدولتين الشقيقتين حالت دون توفير الحماية لهذه القبائل إنْ بالتسليح وإنْ بالتدريب وإنْ بالتمويل وإنْ بكل شيء.
وهنا فإنه على الذين ذهبت بهم شطحات الخيال بعيداً وجعلتهم يفترضون أموراً لا هي مطروحة ولا هي واردة أن يدركوا أن أمْن الأردن الوطني, بعدما أصبح وضع العراق هو هذا الوضع وبعدما غدت سوريا مستباحة لكل: «ما هب ودب», بات خارج حدوده الشرقية وخارج حدوده الشمالية مما يعني أنَّ نظرية: «الدفاع الإيجابي» الآنفة الذكر أصبحت ليست ضرورية وفقط بل واجبة ومسألة حياة أو موت .
لنتصور كيف ستكون الأوضاع الأمنية لبلدنا, المملكة الأردنية الهاشمية, في حال سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي على الجهة الأخرى من حدودنا مع العراق وحدودنا مع سوريا..؟!.. إن الجواب على هذا السؤال هو أنه من المفترض أن لا يكون هناك أردني واحد لا يدرك دافع إعلان توفير «الحماية» الأردنية للعشائر والقبائل العراقية على حدودنا الشرقية.. والقبائل السورية على حدودنا الشمالية.. والحماية تعني التسليح والتدريب وتعني العمل على تثبيت هذه العشائر والقبائل في المناطق التي تعتبر مناطق «عازلة» وهي تعني بالتالي إبعاد هذا التنظيم الإرهابي عن بلدنا ومجالاته الحيوية .
ولذلك فإنه لا ضرورة لشطحات الخيال وإنه على كل الذين في صدورهم وقلوبهم تصورات و «سيناريوهات» مريضة أن يدركوا ويعرفوا أن الأردن يعتبر أن وحدة العراق وأن وحدة سوريا أرضاً وشعباً هي ضمانة الأمن القومي العربي وضمانة الأمن الوطني الأردني وأن دعم العشائر والقبائل السورية والعراقية ضد «داعش» وضد «التحديات الأخرى» يأتي في هذا الإطار وأنه بالتالي لا صحة لكل ما يقوله «الوسواسون الخنَّاسون» المشهورون بأنَّ رؤوسهم وأقدامهم في هذا البلد وقلوبهم هناك عند أقدام الذين لا يريدون لبلدنا إلَّا الثبور وعظائم الأمور .