إذا ما تأكدت الانباء التي نُقِلتْ على لسان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بـ«نفي» انه سيُكَلِف رئيس حزب العدالة والتنمية، رئيس حكومة تصريف الأعمال احمد داود اوغلو، فإننا نكون أمام مشهد تركي غير مسبوق في دلالاته وأبعاده، وبخاصة في نية اردوغان الواضحة بتحميل «تابِعِه» مسؤولية النكسة القاسية التي لحقت بالحزب وأحد مُؤسِسَيْه (اردوغان) في انتخابات السابع من حزيران الجاري، ما يفتح الطريق على سلسلة «مُراجعات» وتغييرات، قد تقود الى تغيير دراماتيكي في السياسة الداخلية وخصوصاً الخارجية التركية الراهنة التي وإن كانت بدأت مع نظرية «صفر مشاكل» التي روّج لها مُنظّر العثمانية الجديدة داود اوغلو، إلاّ انها انتهت في صورة كارثية تَظَهّرت عشية الانتخابات البرلمانية التي كانت بمثابة صفعة قوية وانهيار لمشروع اردوغان السلطاني في تغيير النظام البرلماني الذي ارساه كمال اتاتورك، الى نظام رئاسي يمنحه سلطات واسعة ويُمكّنه من التحكم بمفاصل الدولة على نحو يتحول فيه الى نظام الشخص والحزب الواحد وصولاً الى العام 2023 الذي يصادف المئوية الاولى على قيام «الجمهورية» ولكن هذه المرة بنكهة وايديولوجية اسلاموية، تَغْرِف من معين العثمانية الجديدة، بما هي حنين لاستعادة أمجاد بائدة ولكن في اطار رطانة ذات أبعاد ومرتكزات دينية وتنهض في الاساس على مجالها الحيوي «العربي» على وجه التحديد، كي تُصبح تركيا اردوغان في عداد الدول العشر الاولى في العالم ولكن بعمامة اسلامية ومضمون عثماني استعماري جديد، وكأن في العثمانية «القديمة» إرثا مجيدا او مرحلة من مراحل الاشعاع الحضاري والثقافي والعلمي الذي اضاء على المنطقة العربية التي خضعت لاربعة قرون من العسف والظلم والاستعباد تحت مزاعم وهرطقات ما يسمى بدولة الخلافة.
ما علينا..
احمد داود اوغلو سيدفع ثمن الهزيمة، كَـ«كبش الفداء» الذي توقعنا ان يكون في عجالتنا عشية اعلان النتائج، الأمر الذي سيعني في قراءة اخرى البحث عن شخصية اكثر جاذبية وأقل تبعية واستخذاء أمام رئيس للجمهورية، حدّد الدستور الحالي (الذي لم يتغير بعد ولا يبدو انه مرشح للتغيير في المديين القريب والمتوسط)، مهماته ليس فقط في ضرورة استقالته من رئاسة اي حزب بل وأيضاً ان يقف على الحياد في المسائل الخلافية وأن يكون على مسافة واحدة من الجميع نظراً لمكانة وحساسية منصبه.
لم يلتزم اردوغان بالطبع بهذه المحدّدات والنواظم الدستورية، بل مضى غير آبه بالانتقادات وخصوصاً غير محتسب لشخص ومنصب رئيس الوزراء (داود اوغلو) الذي اظهر ضعفاً وتابعية غير معهودة ما حوّله الى مجرد ظل باهت، لرئيس دولة سليط اللسان ذي نزعة استعلائية وهوّس بالسلطة، الأمر الذي حرق «مراكبه» السياسية والحزبية ولم يخطئ الذين توقعوا «تدفيعه» ثمن أي اخفاق للحزب في الانتخابات البرلمانية.
هل قلنا عبدالله غل؟
الرئيس التركي السابق المعروف بصبره وهدوئه، يبدو انه يعود ببطء (ولكن بثقة) الى المشهد السياسي والحزبي التركي، بعد الضربة التي الحقها الشعب التركي بالسلطان اردوغان وحزبه، الذي يبدو انه فقد الكثير من اسمه: فالتنمية آخذة في التراجع وتحيطها الشكوك والازمات اما «العدالة» فقد سقطت في «كرتونات» الأحذية التي ازدحمت بملايين الدولارات في منزل بلال اردوغان ولم يدفع الفاسدون اي ثمن، بل تم التنكيل والبطش بالاجهزة المولجة إنفاذ العدالة ودفع رجالها الثمن بالطرد من وظائفهم والسجن فقط لانحيازهم لمبادئ العدالة وقيمها.
إذاً عبدالله غول، تحت الاضواء، وبخاصة بعد «الضجة» التي أحدثها الكتاب الذي طرحه أحد اقرب مستشاري غل وهو أحمد سيفير والموسوم «اثنا عشر عاماً مع عبدالله غل» وقيل ان غل اطّلع عليه قبل نشره ووافق على محتواه، وأهم ما في المحتوى انه كشف عن خلافات عميقة بين الرئيس وشريكه في تأسيس الحزب طيب اردوغان الذي كان رئيساً للوزراء فيما داود اوغلو وزيراً للخارجية وخصوصاً حول السياسة الخارجية لانقرة تجاه سوريا ومصر.
اين من هنا؟
ليس ثمة ما هو مؤكد في المشهد التركي حيث يقسّم نواب البرلمان الجديد اليمين الدستورية اليوم، لتبدأ مشاورات التكليف وتشكيل حكومة جديدة وعندها سنعرف ان كان اوغلو سيتم «ركله» «وترقيته»، عبر الطرد الى أعلى، بوظيفة في القصر الجمهوري أم سيُكلّف وعندئذٍ على غل ان يدافع عن مستقبله السياسي، سواء بتشكيل حزب جديد او لعب دور مُعارِض علني للثنائي الذي جلب الكوارث للحزب وخصوصاً تركيا.. اردوغان وتابعه اوغلو.