لعلّ المتابع للشأن الفلسطيني، من شأنه أن يلحظ، موجة التصريحات المشككة والمؤكدة، لصحة المعلومات الخاصة، بمحاولة التوصل لتهدئة طويلة الأمد، ما بين حركة حماس، وإسرائيل، وكذلك المعلومات المتتالية، بشأن محاولة حماس، تأسيس كيان سياسي مستقل في غزة.
وبالمقابل، يمكن للمتابع أن يلاحظ سيل التصريحات الرسمية وغير الرسمية الصادرة عن حركة حماس، والتي تؤكد، بوضوح، عدم عزم حماس، تأييد أو تشجيع أو المشاركة، بجهد انقسامي كهذا، وبأن غزة، لن تكون بعيدة عن الضفة الغربية.
لعل الضمانة الأكيدة، القادرة على أن تشفي صدور الجميع، هي العمل معاً، جميعاً من حماس وفتح والفصائل كافة، في اطار عام، اسمه م.ت.ف، والاتفاق على حكومة ـ تنفيذية، لسياسات متفق عليها.
لعل اللافت للنظر في هذا السياق، هو حدة التعبيرات السياسية، الصادرة عن الأطراف المختلفة، لدرجة وصل بعضها، إلى درجة التأكيد اليقيني، على أن ذهاب غزة، منفردة في اتجاه تشكيل ما يشبه دولة مستقلة، بات أمراً قائماً!!!
دراسة الحالة في غزة، تحتاج إلى موضوعية، والكثير الكثير من الحذر... الحالة في غزة، غير مقبولة من أحد. لا من المسيطرين على القطاع عسكرياً وأمنياً، ولا من المرجعيات الفلسطينية الشرعية م.ت.ف، والسلطة الفلسطينية، ولا من السكان المحليين في غزة.. الذين يعانون من الحصار، وعدم الاستقرار، وعدم التمكن من إعادة الإعمار.
المسألة ميدانياً، تحتاج إلى حل، حل عادل وشامل، يرضي الجميع، ويكفل وحدة الأداة ـ السياسية الفلسطينية. كيف؟!!!.. هذا ما يحتاج إلى جهد الجميع، وإلى إخلاصهم وشفافيتهم، بعيداً عن النزق والعصبية وردات الفعل، وهذا أمر ممكن، من خلال بلورة نقاط الاتفاق، والاستناد إليها، كمرتكز أساسي، لتوسيع دائرة التلاقي في ظل الخلاف.
غزة لن تكون وحدها، ولن تكون كياناً مستقلاً، وبالمقاييس كافة. غزة لن تكون وحدها، لأن لها جارين هما إسرائيل ومصر، ولكل منهما اعتباراته فيما يجري فيها، وما سيترتب على شكلها المستقبلي.
مصر ترى في غزة، ما يشبه الخاصرة لمصر، وترى فيها جزءاً من الكيانية السياسية الفلسطينية، لـ م.ت.ف، وترى أن ما يجري فيها، له انعكاساته الأمنية والقومية على مصر. إسرائيل ترى فيها جزءاً غير مرغوب فيه، وغير مرغوب التعامل معه، وهذا الأمر ليس بالجديد.
وترى فيما يجري في غزة، شكلا من أشكال المعطيات، القابلة للتعاطي معها، بما يخدم المصالح الإسرائيلية، ولعله من نافلة القول، إن المصلحة الإسرائيلية، تكمن في الحفاظ على الانشقاق الجيوـ سياسي، وتعميق الخلاف، بين حركتي حماس وفتح... ولهذا مقتضياته الإسرائيلية، دون أن يشكل القطاع، وحدة جغرافية ـ سياسية مستقلة، لها منافذها البرية والبحرية والجوية، ولها هوامشها في التعاطي الإقليمي والدولي، خارج السقف الإسرائيلي!!!
أن تلعب غزة وحدها، خارج السرب الفلسطيني، هو أمر غير ممكن، دون سقف إسرائيلي واضح ومحكم، وهذا الأمر، قادر على إلغاء أي طرف فلسطيني، يقبل بمعادلة كهذه.
حاول الإسرائيليون وعلى هوامش المفاوضات المصرية ـ الإسرائيلية في كامب ديفيد، تمرير مشروع دولة غزة، وهذا ما رفضته م.ت.ف جملة وتفصيلاً، لمعرفتها بالمخاطر الكامنة وراء ذلك.
على ضوء ذلك، يبقى الطريق الأجدى والأقصر، أمام الجميع، محاولة التلاقي مجدداً، ضمن برنامج نقاط واضحة، قادر على التلاقي في ظل الخلاف!!!