وفيق السامرائي
معظم الحروب الفاشلة بنيت على أسس هشة وتقدير موقف يستند إلى معلومات ناقصة أو خاطئة، وفي النتيجة تقود إلى هزيمة خارج الحسابات الافتراضية لصناع القرار، سياسيين كانوا أم عسكريين. وهكذا كان حال العرب عام 1967، والعراق في حروبه. وحيث تبنت القيادة الخارجية للإخوان المسلمين قرارا بمواصلة العمل الخارجي في دول عربية تشعر بحساسية بالغة في كل ما يتعلق بأمنها، فإنها دخلت في حرب سرية شديدة لا تمتلك مقومات النجاح فيها، وتمادت داخليا في قراءاتها الخاطئة باتخاذ قرارات وخطوات فهمت من قبل غالبية الشعب بأنها عملية «أخونة» شاملة لمؤسسات الدولة وتشريعاتها. وهو ما تسبب في ثورة مضادة شاملة استقطبت تأييدا عربيا كبيرا، أعلن أم لم يعلن، شمل كل متطلبات التعزيز.
واستقبل قرار قوى المعارضة بالتصدي المبكر لقرار «الأخونة» بتأييد كاسح من قبل الشعب المصري بمختلف توجهاته، تحول إلى ثورة شعبية رسمت أعظم طوفان شعبي على مستوى العالم، وفاقت كثيرا الأصوات التي حصل عليها الفريق أحمد شفيق قائد جبهة «الفلول» كما يصنفها فريق الإخوان المسلمين. وفي هذه الموازنة ثبت أن جبهة المعارضة تتمتع بقدرة عالية على المتابعة والتحليل والتحرك واستغلال الفرص، وهي مزايا تراكمت لديها في مرحلة إدارة الدولة ومؤسساتها، التي كان الإخوان بعيدين عنها، ولم يشفع لهم الجانب التنظيمي الحزبي، الذي تحددت فترة استثماره بالوصول إلى الحكم تحت جنح الاضطراب وتداخل المشاعر.
ومهما كانت المعادلات، ومهما ترك الفهم الخاطئ لدى الناخب البسيط من انعكاسات، فإن من حق الرئيس محمد مرسي (المحرر: كُتب المقال قبل إجراءات عزله من قَبل القوات المسلحة) ممارسة وضعه الانتخابي في إدارة الدولة، إلا أنه تصرف بطريقة الاستهانة بخصومه السياسيين، وحقق قفزات في مسرح السلطة المعنوية والتشريعية المؤقتة للقوات المسلحة، التي لولاها لغرقت مصر في حرب أهلية تحرق كل شيء. إلا أن الحق الدستوري رافقته خطوات استباقية لتدارك الانقلاب الانتخابي الشعبي المقبل، خصوصا أن ملامح حل المشكلات الاقتصادية غابت عن الأفق، بسبب النفور العربي من «أي» وجود تنظيمي للإخوان المسلمين، إذا لم نذهب أكثر بعدا في وصف تلاقي مصلحة الشعب المصري وهواجس العرب في إحباط تجربة الإخوان في معقلهم الرئيس.
لو كان بين تنظيم الإخوان المسلمين رجال دولة ومحللون على صلة بهواجس الأجهزة العربية ومؤسساتها، لأمكنهم تفادي خوض صراع مبكر لا يملكون عناصر النجاح فيه، إلا أن محدودية ثقافتهم وفشلهم في فهم المعادلات الدولية، وتنامي مشاعر القلق والعزلة، وخضوعهم لتفسير نظرية المؤامرة بطريقة مضطربة، ودهاء المقابل، عوامل حشرتهم في زاوية الانصهار أو الصدام. ووفقا لفكرهم التنظيمي فقد اختاروا طريق الصدام، عاقدين آمالهم على انحياز القوات المسلحة إلى جانبهم أو على بقائها في حالة أقرب ما تكون إلى المتفرج، وهي آمال لم تستند إلى وعي كاف في حسابات الصراع.
أمام وضع بالغ التعقيد كهذا، وقفت القوات المسلحة وأجهزة الأمن على صفيح ساخن يستحيل تحمل حرارته إلى ما لا نهاية، ومع أن من الطبيعي الحرص على تفادي الصراع مع شريحة كبيرة في ظل انقسام شعبي خطير، فإنها ربما شعرت بأن الوقت قد حان لمعاقبة الرئيس على دخوله غير المرحب فيه ساحة التفويض الذي حصلت عليه خلال مرحلة الثورة السابقة، التي تخلى بسببها الرئيس السابق محمد حسني مبارك عن الحكم، بقرار لم يتفان الإخوان في تبنيه. وإن تنامي مشاعر التحرك العسكري تفرض الاستناد إلى قاعدة ترجيح مصلحة الأمة مقابل حالة انتخابية حصلت في مرحلة ظرفية لا يعني طيها شيئا في سجل الأمم ومصير الشعوب والدول.
وعلى الرغم من أن ثقافة القوات المسلحة المصرية وأجهزة الأمن لم تكن انقلابية تآمرية، كما «كنا» عليه في العراق وسوريا، فإنها أقرب إلى فلسفة القوات الباكستانية والتركية قبيل التغييرات الأخيرة التي نجح فيها الحزب الإسلامي الحاكم في تركيا، وتتمتع بثقة شعبية كبيرة واحترام قل مثيله. لذلك، فإنها مؤهلة لحسم الموقف، بالسيطرة على الوضع والدعوة إلى انتخابات جديدة، تشير كل الدلائل إلى أن الإخوان سيمنون بخسارة فادحة فيها.
وعندما يخسر الإخوان المسلمون الحكم في معقلهم الرئيس، فسيكون الصراع قد حسم على ضفاف النيل، وعندئذ ستهدأ الساحات العربية كلها من هذا النمط من التصادم الذي كان ممكنا إدراك أبعاده من قبل الإخوان.