أخر الأخبار
يحدث في لبنان.. الآن!
يحدث في لبنان.. الآن!

 لا يكاد لبنان أن يخرج من أزمة حتى ينزلق إلى أخرى، بل ثمة أزمات لم تنتهِ وأضيفت إليها أزمات أكثر خطورة وأشد كلفة وتداعيات، تفوق في بعض مخاطرها أكلاف تعطّل عمل حكومة تمام سلام بعد انهيار الصيغة التوافقية التي اقيمت وفقها، أو الشغور في منصب رئيس الجمهورية الذي دخل عامه الثاني منذ أن غادر رئيس الصدفة أو مرشح اللحظة الأخيرة الجنرال ميشال سليمان، قصر بعبدا، بعد ست سنوات لم ينجح خلالها في المحافظة على حياد المنصب، والتزاماً بالدستور أو الميثاق’ فانتهى وقبيل أشهر معدودات من انتهاء وظيفته، منحازاً إلى فريق 14 آذار ظنّاً منه (أو قُلّ جهلاً بموازين القوى ومترتبات التركيبة الطائفية والمذهبية اللبنانية المُعقدة والمرتبطة عضوياً بالإقليم وتوافقات (أو اختلاف) العواصم الإقليمية و»مباركة» عواصم القرار الدولي وعلى رأسه الأم الحنون «الجديدة» واشنطن، وإلى حد ما الأم القديمة باريس.
الجديد في بلاد الأرز (وفيها جديد كل يوم ولكن نحو الأسوأ) العاصفة التي لم تهدأ بعد، ولا يبدو أنها مُرشحة للهدوء، والمقصود هنا، ارتدادات تسريب أشرطة تظهر عناصر أمنيّة تقوم بالتنكيل وضرب سجناء، جلّهم من التيارات الإسلامية المتشدّدة، خلال إنهاء عملية التمرد التي حصلت في أحد مباني السجن الأشهر في لبنان وهو سجن «رومية» خلال شهر نيسان الماضي، ما أطلق سلسلة من ردود الفعل الغاضبة وسيولاً متبادلة من الاتهامات بين فريقي 14 و8 آذار، بل بين وزيرين من تيار المستقبل يعتبر أحدهماً «صقراً» وصاحب تصريحات منفلتة يستخدم لغة أقرب إلى الردح منها الى اي شيء اخر, رغم انه تقاعد برتبة لواء, مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي، ويحمل الآن حقيبة العدل، فيما الآخر أكثر إتزاناً ورصانة وفهماً عميقاً للمشهد اللبناني وتركيبته التي لا تسمح لأحد بالمضي قدماً حتى النهاية حاملاً شعار «يا قاتل يا مقتول» بل يستبطن كل سياسي لبناني أو طائفي أو مذهبي أو أمير حرب سابق وزعيم حزب في هذا المتراس أو المتراس الذي يقابله شعار «لا غالب ولا مغلوب» وفق منطق أو ممارسة ’اثبتت للجميع الثمن الباهظ الذي يتوجب من لا ضوابط لجموحه أو اندفاعته.. دفعها ’ ونقصد هنا الصحافي السابق وزير الداخلية الحالي نهاد المشنوق.
وحيث ان تسريب الأشرطة التي ظهرت حتى الآن (يقال إن ثمّة غيرها لم ينشر بعد) لم يكن عفوياً او بريئاً، أياً كانت الجهة التي كانت وراء التسريب، فإن الخاسر الأكبر يبدو الآن تيار المستقبل الذي يتولى أحد أركانه وزارة الداخلية المولجة الاشراف على السجون فضلاً عن الدور المهم لوزارة العدل (في عُهدة تيار المستقبل أيضاً)، في شأن التأكد من تطبيق أسس العدالة في السجن وإجراءات المحاكمة واصدار الأحكام ومتابعة أحوال السجناء المحكوم فيها أو الموقوف على حد سواء، في الوقت ذاته الذي لا يمكن لأحد تجاهل ردود فعل المنظمات والجماعات والتنظيمات السلفية الجهادية والتكفيرية والإرهابية التي يتبعها هؤلاء, سواء منهم مَنْ كان من اتباع داعش او جبهة النصرة او كتائب عبدالله عزام او فتح الإسلام أو انشق عليها أو بايع غيرها، وهو الذي تجلى فعلاً في التهديدات التي اطلقتها بعض هذه التنظيمات واهدار دم مسؤولين أمنيين وسياسيين لبنانيين ومعظمهم (حتى الآن) من تيار المستقبل أو لنقل باللغة السائدة الآن في لبنان وفي المنطقة، انهم من أهل «السّنة»، الأمر الذي يحلو للبعض في ذلك التيار، الذهاب الى تبني حملة اتهامات مضادة لحرف الانظار عن المسؤولية وخلط الاوراق والتخلي عن ابسط مقومات العدالة وهي انتظار نتائج التحقيق الذي سارع وزير الداخلية المشنوق الى فتحه، ما يعني تهافت الاتهام الذي وجّهه وزير العدل (...) اشرف ريفي الى حزب الله بتسريب الاشرطة فيما تحفظ زميله في الحكومة وتيار المستقبل وزير الداخلية من هذا الاتهام وقال في وضوح ودقّة رداً على سؤال عمّا إذا كان يشارك زميله الاتهام: ليس لديّ حتى الان معلومات دقيقة في هذا الموضوع.
هي إذاً اجواء احتقان متزايدة في لبنان، تجعل من إنفلات غير محسوب في الاوضاع الأمنية والتوترات المذهبية او الطائفية امكانية قائمة وبخاصة ان المنطقة بأسرها تعيش حال غليان غي مسبوقة بعضها يريد استباق الحدث الأهم المنتظر قبل نهاية الشهر الجاري وهو التوقيع (او عدم التوقيع) على الاتفاق النهائي للملف النووي الايراني، فيما الآخر يلتزم فضيلة او ترف الانتظار (وإن بقلق) حتى لا يحرق سُفُنه, وبالتالي يحجز لنفسه جزءاً من الكعكة او مقعداً في قطار التسوية التي قد تكون في بعض تجلياتها مختلفة عن كل ما يُسرّب ويقال او يتحدث به «المُحلِلون» ووعاظ السلاطين وكتبة الاجهزة وإعلام التضليل والتزوير.
في السطر الاخير: إيه.. هيدا لبنان.