احتل خبر "وراثة " الرئيس محمود عباس لرئاسة السلطة الوطنية مكانا واسعا في الفترة الأخيرة، وبدأت تظهر تقارير وتحليلات وتوقعات من مختلف الاتجاهات، كل حسب ما يرغب ويشتهي، وبالطبع لم تخل تلك التقارير أو الرغبات من وضع أسماء من هنا وهناك، ترشيحات تتسق مع المأمول لأصحاب التقارير مما سيكون..
الصراع على "وراثة منصب رئاسة السلطة" يتخذ مسارات متعددة، بعضها يذهب الى "لقاءات اقليمية - دولية" للإتفاق وترتيب "القادم"، فيما يبحث بعضا عن مناشدة الرئيس عباس بتعيين "نائب" له قبل فوات الآوان، خاصة وأن عمر الرئيس يستوجب التحسب لفعل القدر، بينما اتخذت أوساط أخرى التمترس وراء "القانون الأساسي"، الذي يفرض أن يأتي برئيس المجلس التشريعي، وهو بالمناسبة من حركة حماس، ليصبح "رئيسا مؤقتا" كما سبق ذلك مع السيد روحي فتوح بعد رحيل الخالد ابو عمار، لترتيب انتخابات رئاسية جديدة..
وبدون أي شك، فالتفكير في مسألة "منصب الرئيس" في حالة شغوره قضية وطنية وقانونية، ولكنها سياسية ايضا، ولا يوجد نقيصة في التعامل معها والتحضير لأي طارئ، او لإستحقاق قانوني قادم، قد يفرض نفسه في أي وقت، وتلك ظاهرة حضارية أيضا..
ولكن، ما يبدو هو أن "الباحثين عن وراثة منصب الرئيس"، يفكرون في حصرها برئاسة السلطة الوطنية ، دون غيرها من "رئاسات" فلسطينية، بل أن المتهافتين على البحث في آليات الوراثة لم يقفوا أمام أن مرحلة السلطة الوطنية قد انتهت عمليا، وأن استمرارها ليس سوى قرار إداري من الرئيس عباس لا أكثر، لا يحتاج سوى لإصدار مرسوم رئاسي يعلن فيه انهاء المرحلة الانتقالية التي أنتجت السلطة الوطنية بكل مكوناتها، رئيسا ومجلسا تشريعيا، وقانونا اسياسيا، وتصبح جميعها في حكم المنتهية ولايتها، باعلان قيام "دولة فلسطين" فوق أرض فلسطين تنفيذا وإعمالا لقرار الأمم المتحدة رقم 19/ 67 لعام 2012..
لا يوجد أدنى مفاجأة في ذلك، وكان الرئيس عباس قريبا جدا، قبل أكثر من عامين للشروع في تنفيذ ذلك، واخذ في صياغة المراسيم الخاصة بنقل المكانة القانونية للسلطة الفلسطينية الى دولة فلسطين، قبل أن يتوقف فجأة، وبلا أي مبرر سياسي، ما فتح باب التكهنات أنه "تراجع تحت التهديد"، دون ان يبرر الرئيس تراجعه عن ما بدأ به باعلان الدولة، وقطع كل صلة بما كان، والعودة لدوامة المرحلة الانتقالية بكل كوارثها التي سرقت كثيرا من "الحق الوطني"..
نعم..كل ما يقال عن وراثة رئاسة السلطة هو إما وهم عن جهالة سياسية، أو أنه "مخطط معلوم" لسرقة المكتسب التاريخي للشعب الفلسطيني الذي جاء في قرار الأمم المتحدة، وباتت بموجبه فلسطين العضو رقم 194 كدولة مراقب الى حين..فالجهالة تكمن في أن يعتقد بعض من أهل فلسطين باستمرار السلطة كما هو حالها، وبالتالي اجراء انتخابات لمكوناتها دون تغيير يذكر، بالقفز عن الحقيقة السياسية السابقة..
فيما أصحاب "المخطط المعلوم" للحديث عن استمرارية السلطة واجراء انتخابات لمكوناتها، فهم يرمون موضوعيا ليس الى شطب المكسب التاريخي لقرار الأمم المتحدة، بل ايضا يعلمون تماما أن دولة الكيان لن تسمح قريبا بانتخابات عامة وفق ما يتطلع الفلسطيني، ولذا هي ترمي لخلق فوضى سياسية، يفتحها أي "فراغ رئاسي"، حيث ستبحث حماس عن "حقها القانوني"، فيما حركة "فتح" ومعها بعض تحالفها لن تسمح بذلك، وقد تتذرع بأن رئيس المجلس التشريعي انتهت صلاحياته، وعمليا هناك شغور في المنصب قانونا..دوامة سياسية قانونية تريدها دولة الكيان لتفتح الباب واسعا لتنفيذ مشروعها الخاص: دفع حماس للهروب بقطاع غزة، وتفرض اسرائيل "نظامها الخاص للتقاسم الوظيفي في الضفة" تحت مسمى منع "الفوضى"..
وهنا ستكون اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير تحت ضغط البحث عن مخرج، ما قد يدفعها لاستخدام قرار الإمم المتحدة وتعلن نهاية المرحلة الانتقالية بكل مكوناتها، بما فيها السلطة الوطنية رئاسة ومجلس ومؤسسات، مستبدلة اياها بدولة فلسطين، وتعلن أن رئيس دولة فلسطين هو رئيس اللجنة التنفيذة الذي سينتخب وفق "النظام الاساسي" للمنظمة..والمتوقع ان يكون أحد شخصيات حركة فتح..وهذا ما قد ترفضه حماس جملة وتفصيلا، لتدخل الساحة الفلسطينية صراعا سياسيا - قانونيا، يسمح المجال لدولة الكيان لأن تفرض مخططها المعلوم..
ولذا ومن اجل درء "الفتنة الكبرى" المتوقعة في حال "شغور منصب الرئيس"، فإن الشرعية الوطنية تفرض منذ الآن البدء في اتخاذ السبل الكفيلة للعودة الى اعلان دولة فلسطين، وان المرحلة السياسية القادمة هي مرحلة تكريس الدولة وتعزيز وجودها، مؤسسات وأنظمة، كونها حق ومكتسب لا يجب اضاعته في مسار ممطالة لم تعد مقبولة..
ولتكن البداية من مسألة تشكيل "حكومة جديدة"، حيث أنها ستكون مفتاحا لقطع الطريق على أي مستغل لسرقة المشروع الوطني..لتكن حكومة لدولة فلسطين، وليس لسلطة بات استمرارها منح الإحتلال "شرعية" بلا مساءلة..
هل تبدأ قيادة الشعب الرسمية في أن تتخذ الخطوة الإولى لإعادة القطار الوطني الى مساره الحقيقي بعد أن تم خطفه لمسار غير المسار..هل تملك قيادة الشعب الرسمية قدرة للتحدي وقطع السبل أمام "ألغاز" التمسك بالسلطة رغم انتهاء أجلها وصلاحياتها شعبيا منذ رحيل الخالد، وقانونيا منذ قرار الأمم المتحدة 19/ 67 عام 2012.
حقا سيكون الرئيس عباس آخر رئيس للسلطة، ولكن ما بعده سيكون إما "الفوضى والكارثة لو استمر الحال على ما هو عليه" بتجاهل وسرقة قرار دولة فلسطين، أي تنفيذ المشروع الاسرائيلي، ام نجد قيادة يمكنها أن تنتفض وطنيا لرسم رحلة شرعية جديدة لتحقيق بعضا من "الحلم الفلسطيني"، وتعلن وقف المرحلة الانتقالية واعلان دولة فلسطين، وتجدد مؤسساتها من المؤسسات الشرعية، بحيث يكون المجلس التشريعي والمركزي برلمان الدولة وهو وحده صاحب الحق في تسمية الرئيس القادم، الى حين اجراء الانتخابات العامة..
ذلك التحدي الذي يجب أن يكون..الصراع بين فرقاء ولادة الدولة بكل ما لها أو فرقاء استمرار السلطة بكل ما يعني استمرار الاحتلال وما ينتجه لاحقا من فوضى ودمار مشروع وطني..
باختصار إما رئيس لدولة فلسطين أو رؤوساء طوائف لبقايا ما سيكون منها في الضفة والقطاع!
ملاحظة: تصريحات قيادات فتحاوية باتت واضحة أن رامي الحمدالله ليس مرشح توافق وطني..وهذا جيد، لكن بديله قطعا ليس الرئيس عباس لأن ذلك هو الطريق الأمثل لحكم الفرد المطلق الذي لا مثيل له في عالمنا..يعني لعبة يا رامي يا محمود مش نظيفة..فلسطين ثرية جدا يا هو!
تنويه خاص: اليوم يبدأ زمن جديد ..فلسطين ترفع ملفاتها الى المحكمة الجنائية..ولكي يصبح عهدا تاريخيا يجب المواصلة لتفعليها وليس تقديمها..بلاش نقول قدمنا الورق، و"كفى الله المؤمنين القتال"..لو هيك صار بيكون "ضحك على الدقون"!