ارتكب الإرهابيون جريمة بشعة مقرونة بغباء منقطع النظير في اختيارهم الكويت هذه المرة مسرحا لدمويتهم، فالعقلية التي تربت على التلقين والتعبئة النفسية المشحونة بالأحقاد وتزييف الدين وتشويه العلاقة مع الله ومع الإنسان عاجزة عن التساؤل عن ماهية سلوكها وجدواه، وداعش أو غيرها من التكفيريين من فاقدي الآدمية يرتكبون الجرائم بحسابات مليئة بالخرافة والشعوذة وفقدان الشعور بالواقع نفسيا وسلوكيا، وجريمة تفجير مسجد الإمام الصادق في الكويت هي مثال صارخ على تلك «العقلية البدائية المتوحشة» التي ترى في تفجير بيت الله هدفا للوصول إلى «جنة الله» عبر قتل مسلمين أبرياء يُصلون لله حبا وعبادة وإيمانا به.
الهدف الواضح من هذه الجريمة خلق فتنة طائفية بين السنة والشيعة في الكويت، وهو هدف سياسي بحت لا اعتقد أن داعش وإرهابييها يفهمونه، فهم مجرد أداة صماء وغبية في يد الشيطان سواء أكان هذا الشيطان جهة إسلامية أو غير إسلامية، فهذا الشيطان الذي استخدم ويستخدم داعش في سوريا والعراق وليبيا واليمن وفي كل مكان يجهل جملة من الحقائق عن الكويت وطبيعة الحكم فيها وطبيعة أهلها ومن ابرز هذه الحقائق ما يلي :
أولا: لا يدرك الشيطان الذي يحرك داعش ويرسم له خططه الدموية أن الكويت بديمقراطيتها المتجذرة دستوريا منذ الستينات من القرن الماضي كأول ديمقراطية في الخليج العربي قد خلقت لنفسها أدوات سلمية نوعية للتغيير والعمل السياسي، وأنتجت منابر متميزة للتعبير والحرية السياسية والإعلامية والثقافية، وانتقلت حركة المجتمع فيها مبكرا نحو الانفتاح والتسامح والتعايش القائم على مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية، أي يجهل شيطان داعش ان الكويت لم تكن ولن تكون معملا لإنتاج فيروس الطائفية على غرار المجتمعات المغلقة أو المحكومة بالإغلاق والانغلاق السياسي والاجتماعي والثقافي، ففي الكويت تحول التناقض الداخلي الطبيعي إلى عامل رئيسي في خلق الابداع والتميز ونبذ العنف.
ثانيا: من الواضح أن شيطان داعش ومحركها يتجاهل طبيعة الحكم في الكويت وتحديدا طبيعة العلاقة بين الشعب الكويتي بكل مكوناته مع شخص الحاكم أي الأمير والعلاقة بصورة عامة بين الشعب وآل الصباح، فهذه العلاقة بُنيت على البيعة التاريخية بين الشعب الكويتي وآل الصباح التى تمثل شرعية الحكم في الكويت منذ عام 1752 واختيار الشيخ صباح الأول حاكما في ذلك الوقت، بمعنى ادق ليست هناك مشكلة شرعية للحكم في الكويت على غرار «أنظمة البيان رقم واحد ورئيس الدبابة وقائد الانقلاب» التي مازال بعضها موجودا إلى الآن كالنظام في سوريا أو الأنظمة البديلة في العراق وليبيا التي باتت بيئة خصبة «لفيروس الطائفية او العنف القبلي او الديني» ومرتعا لداعش ولغيرها من تنظيمات القتل والعنف الدموي.
للأسباب السابقة صمدت الكويت وصمد شعبها في اكبر محنة في العصر الحديث الا وهي محنة الاحتلال العراقي الذي هُزم بفعل عاملين حاسمين وهما التفاق الشعب الكويتي حول قيادته ممثلة بالمرحوم الأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح، وتفاني القيادة الكويتية في بذل الغالي والنفيس من اجل تحريك العالم كله من اجل معركة تحرير الكويت والتي نجحت في بناء اكبر تحالف في التاريخ الحديث والذي نجح بدوره في تحرير الكويت بعد احتلال دام ستة أشهر وأربعة وعشرين يوما.
سيكتشف الشيطان المحرك لداعش، أن جريمة تفجير مسجد الإمام الصادق ستعزز من جديد من اللحمة الوطنية بين مكونات المجتمع الكويتي وستعظم من قيم التسامح والتشارك التي جُبل عليها الكويتيون، وستساهم «برتق» الشروخ والفتوق التي تسبب بها بعض الطامحين والطامعين من المشاكسين السياسيين وأصحاب الأجندات الخاصة.
.. لا مكان للإرهاب في ظل حكم متسامح وديمقراطي، والكويت التجربة والبرهان !