عملياً لم تظهر قوة تنظيمية حاسمة للحركات الشبابية في الأردن قبل العام 2011، كان هناك نوع من الحركات الشبابية المنتسبة أيدولوجيا إلى أفكار يسارية وقومية واسلامية ووطنية، في الجامعات، بصيغ اتحادات وتيارات وجمعيات وأندية، هذه الجماعات خرجت من الجامعات أكثر هشاشة، نتيجة عدم القدرة على التبلور في شكل مستمر ولم تشكل قوة ضاغة، وانتهت إلى البحث عن فرص العمل.
دخل المنتسبون للتيارات الوطنية ومنها: «جماعة وطن، ومنتدى الشباب العربي وغيرها» إلى العمل بالمؤسسات الوطنية في الأجهزة الأمنية والهيئات والوزارات فيما نحا الإسلاميون للعمل معلمين أو في القطاع الخاص، واتجه شباب اليسار للقطاع الخاص، وكان جهاز التربية والتعليم وهو للإنصاف الأكثر قدرة على استيعاب القوى العاملة من الشباب، خاصة إذا ما علمنا انه لم يكن يحتاج إلى «حسن سلوك»، علماً أن بعض مؤسسات القطاع الخاص كانت تطلبه أيضا، وتتحسس من تعيين شباب بخلفيات فكرية سياسية.
عبر عقود من التعيين، كان الدخول لجهاز التربية يتم عبر ديوان الخدمة المدنية الذي مثل حالة متقدمة في التوظيف بغض النظر عن الخلفيات السياسية والفكرية والآراء وعدم التمييز. هذه الوضعية كونت في وزارة التربية نواة صلبة لفكر متعدد المشارب والأيدلوجيات، وهو ما سمح له بالتعبير عن مطالبة ومعاندة الحكومات وصولاً إلى حلم النقابة الذي تحقق عقب جدل طويل ونضال للمعلمين تجدد بقوة عقب ظهور حركة احتجاج المعلمين التي بدأت من آذار 2010.
في المقابل، وعبر ثلاثة عقود استوعبت الشركات والمناجم والنقابات الفعاليات الشبابية التي انكفأت على الحلم الفكري والأيدولوجي وبدأت تحول قوتها التنظيمية إلى حالات مطلبية عمالية تتصل بالعمل وشروطه وساعاته والأجور، هذه المطالب انهت الافكار السياسية في الساحة النضالية التي انتهت في مقرات الأحزاب وبشكل بيانات خجولة، في مقرات الأحزاب القومية واليسارية والإسلامية ومعها مؤخرا حركة اليسار الاجتماعية.
كانت الدولة في الملمات وفي حالات محددة تجري استقطابا لبعض القيادات في المواقع العليا وكوزراء من طبقة المعارضة، هذا الحل استمر حتى الحكومة الراهنة، لكنه في المستقبل لن يكون متوفرا ، أذ أن قوى الشباب اليوم في حيرة، واهتمامتها مختلفة والتـأثير بها عبر الجامعات والأيدولوجيات في أضعف حالاته، والاستقطاب عبر الشبكات والصفحات والمجموعات الاجتماعية يبدو أكثر تأثيراً، واكثر مخاطرة واكثر فقداً للتواصل بين الدولة وشبابها.
وهذا ما يفقد الدولة وبرغم كل حضورها عبر مؤسساتها العاملة في قطاع الشباب قوة التأثير والاستقطاب، والتـأطير الفكري الذي لم تنجح به، فالدولة اعدت بيروقراط ولم تعد نخبا مسيسة مفكرة أو قوىً حية.وفي زمن سيطرة القوى الدينية على الثورات العربية بدا جلياً حيرة الدولة إذ اكتشفت ضعف حضور مؤسساتها الشبابية، هذه الحالة لم تمنح الدولة فرصة المراجعة، بل الخطأ أكترثت، فاستعادت إحدى الحكومات الأردنية في زمن الربيع العربي وزارة الشباب ثم ألغتها حكومة اخرى تلتها،وبدأت بعض مؤسسات الشباب تبحث عن مجرد امكانية جذب الشباب بمسميات ومبادرات لا قيمة لها على المستوى الجماعي، لا بل حتى المؤسسات التنموية دخلت على قطاع الشباب والدمقرطة من باب المبادرات والعمل الجماعي الذي لم يصنع ديمقراطية، بل نجح في بناء حلول فردية لحالات نجاح.
لقد ضعفت مؤسسات التوجيه الوطني، وغابت الأحزاب ورجالاتها من الادارة العامة، وصار درس احتواء الدولة للنخب المسيسة المؤطرة أيدولوجيا مكشوفاً، وهذا ما يساهم في تفكيك المؤسسات الاديولوجية من احزاب وحركات وجبهات وطنية، ويحيل العمل الأيدلوجي المسيس إلى النقابات التي تظل إطارا عمالياً مهنياً في النهاية، وهذا للأسف يسهم في تعاظهم الفجوة التي تفصل بين الأجيال الشابة والدولة. والرابح هو التطرف في ظل عدم بناء حياة دميقراطية تتيح أدواراً جديدة للشباب.