أسامة الرنتيسي
مِن الصّعب الآن إطلاق الأحكام على ما جرى في مصر، ومِن غير المفيد التوقّف كثيرًا عند الخلافات، فلن يغيِّر مؤيدو الإخوان المسلمين رأيهم بأن ما جرى هو انقلاب عسكري، وأن مؤامرة أميركية إسرائيلية عربية أفشلت حكم مرسي، وأن الأعداد المليونية في ميادين مصر ما كانت سوى فوتوشوب فضائيات "الغريب أن أنصار الجزيرة يقولون هذا"، وأن ما جرى هو انقلاب على الشرعية وديمقراطية صناديق الانتخاب.
ومناصرو الثورة لن يُغيِّر رأيهم في أن ما فعلوه ما هو سوى تصحيح لمسار ثورة 25 يناير التي تمت سرقتها مِن قبل الإخوان المسلمين، الذين انحرفوا عن مسارها ومبادئها، ولم يلتفتوا إلى مطالبها في الحرية، والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، والدولة المدنية الديمقراطية ، والمساواة في المواطنة.
أهوَ انقلاب عسكري؟ ليس صحيحًا، لأن الجيش المصري استجاب لنداء الملايين في الميادين، ومنح مرسي فرصة ديمقراطية عندما أمهله 48 ساعة، جاء فيها خطيبًا "زاد المتظاهرين ضده بالملايين بعد الخطاب" مهددًا على دمه إذا اقترب أحد من الشرعية، وفي هذه دعوة للعنف، وكانت فسحة لتعديل المسار، والاستجابة لمطالب الشعب بالانتخابات المبكرة، فلَوْ كان مرسي وجماعة الإخوان يقدِّرون الأمر جيدًا، ويعرفون حجم العداء لهم في الشارع المصري، لسحبوا البساط من تحت أقدام الذين يقولون إن " مؤامرة أميركية إسرائيلية عربية أفشلت حكم مرسي"، وعندها لن يقف أحد ضد قرار العودة إلى صناديق الاقتراع من جديد، ولن يقبل أحد تدخل الجيش لحسم الأمر.
لكن، هي العقلية الدكتاتورية والاستبدادية، التي لا تعلم أن الشرعية الشعبية الديمقراطية ليست فقط انتخابات ترتد عن مبادئ وبرنامج الثورة، وأن الانتخابات المبكرة ليست اختراعا مصريًا خالصًا، بل هي الوسيلة التي تلجأ إليها أعتى الديمقراطيات عندما يختلف الشعب على قضية وطنية كبرى، فبِمَ يختلف نظام مرسي عن غيره من الأنظمة الديكتاتورية الأخرى عندما كانت لا تلتفت لنداء الشعب.
الآن في مصر ليس وقت البحث عن أسباب ما جرى، إنما وقت المراجعات الحقيقية، لأن في الأسباب تفاصيل كثيرة، حتى بعض الأصوات الإسلامية العاقلة تعترف بأن هناك أخطاء في مسيرة حكم "عام على حكم الإخوان" حتى مرسي ذاته اعترف بهذه الأخطاء.
العالم يفتح عيونه على ما يجرى في مصر، وما جرى ويجرى في اليومين الماضيين ليس كله في صالح تصحيح مسار الثورة، فالاعتقالات التي طالت قيادات الإخوان حتى وصلت إلى المرشد ليس لها ما يبررها، وتكميم إعلام الجماعة ومناصريها ليس في صالح الثورة، والتفكير بإقصاء الجماعة من العمل السياسي جريمة في حق الثورة وتصحيحها.
الآن، الميادين يجب أن تتسع للمصالحات والبحث عن المشتركات بين جميع القوى السياسية والثورية والشبابية، والابتعداد عن عقلية الثأر، والعودة سريعًا إلى الحياة الدستورية "بالمناسبة الرئيس المؤقت عدلي منصور أدى اليمين الدستورية متعهدًا بالحفاظ على الدستور وكأنه لا يعلم عن تعليق العمل بالدستور، فعلى أي دستور أقسم بالمحافظة عليه؟".
هناك من يراهن على أن مصر ذاهبة إلى الفوضى، وإلى حكم العسكر الدائم، وهناك من يراهن أن مصر سوف تقود تصحيح مسارات الثورات العربية في كل الميادين.
إبداع الشعب المصري الذي أزهر في ميادين مصر ورودًا، لن يسمح لأحد مهما كان، أن يحرف بوصلة الثورة عن أهدافها مرة أخرى، ولن يقبل عقلاء الإخوان، ولا مكتب الإرشاد في التنظيم العالمي الذي يقيم في المقطم، ان تستحضر مصر نموذج الجزائر في الثمانينيات.