أن يقول الرئيس المصري خلال تشييع جنازة النائب العام المقتول غيلة المستشار هشام بركات: أن ايدي القوات الامنية مُكَبّلة بقوانين يجب أن يتم تعديلها لدحر الارهاب. يعني أن الرجل الذي كان يستعد للاحتفال بالذكرى الثانية للهبّة الشعبية المصرية غير المسبوقة في 30 حزيران 2013, قد اختار «المواجهة» وقَبِل» تحدي الجماعات التكفيرية والارهابية التي يصعب على محايد (إن كان ثمة في الحرب على الارهاب مكان لهذا المصطلح) أن يقطع بعدم صلة جماعة الاخوان المسلمين المصرية, بما يجري في برّ مصر, وخصوصاً في صحراء سيناء (أو ولاية سيناء على ما ذهب اليه الوصف الداعشي), حيث تنشط الخلايا الارهابية في تلك المنطقة بدعم ومساعدة من قبل اطراف عديدة, ذات مصلحة في ارباك مصر والابقاء عليها في مربع العنف والفقر والفلتان الأمني, وبما يُفضي في النهاية الى وضع «المحروسة» في دائرة السيناريوهات المعدّة لاعادة رسم خرائط دول ما بعد سايكس بيكو, التي نجت مصر من تبعاتها, فقط لانها مصر, ذات الارث التاريخي والحضاري الراسخ, ودائماً لانها شكّلت على الدوام المثل والنموذج في كونها أقدم دولة في التاريخ, حافظ شعبها في مراحل تطورها الحضاري, على وحدة ارضه وتماسك نسيجه الاجتماعي, رغم كل محاولات اللعب على وتر الشحن الطائفي ودغدغة مشاعر «الفَرْعَنة» بين عنصريّ الأمة المسلمين والمسيحيين, وبين القِبْط والعرب, باعتبار «الأخيرين» مجرد موجة طارئة على المشهد المصري لا تستطيع أن تغيّر كثيراً في تفاصيل وجوهر ما استقرت عليه احوال مصر.. «الفرعونية».
ما علينا..
الاخوان المسلمون متورطون في جريمة اغتيال المستشار هشام بركات, وقد فضحتهم «الفَرْحَة» التي عبّروا عنها في مواقع التواصل الاجتماعي, عندما تم الاعلان عن وفاة النائب العام متأثراً بالجراح التي اصابته جراء تفجير موكبه بسيارة مفخخة تم التحكّم بها عن بعد, ما يؤشر – ضمن أمور اخرى – الى تطور في «التقنية» التي يتوفر عليها الارهابيون, وقدرتهم على تنفيذ ارتكاباتهم والهرب من مسرح الجريمة, فضلاً عن كون حادث الاغتيال, يؤشر الى تراجع الاعتماد على المفخخات البدائية التي دأبوا على استخدامها, منذ فضّ اعتصام ميدان رابعة, وإن كانت محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق اللواء محمد ابراهيم اقتربت من بعض أمورها الفنية من حادث اغتيال المستشار بركات.
وليس صدفة اذاً, أن يسارع نائب مرشد عام الاخوان السابق الدكتور محمد حبيب, الى توجيه الاتهام للجماعة, قائلاً في ما يشبه النبوءة: سوف يندم الاخوان وأنصارهم على اغتيالهم الشهيد النائب العام، كما لم يندموا من قبل، وسوف يبكون دماً بدلاً من الدموع».. مستطرداً: باستشهاد النائب العام، لا يلوم الاخوان وانصارهم الاّ انفسهم، واعتقد–والكلام للدكتور حبيب–ان رد الدولة سيكون رادعاً وقوياً»... انتهى الاقتباس.
نحن اذاً امام قراءة من رجل كان احد اعمدة الاخوان, والأكثر تأهيلاً قبل غيره لقيادة الجماعة, من الذين تصدّروا فجأة مشهد القيادة في مصر وخصوصاً بعد ثورة 25 يناير, وكيف تم تصعيد «نَكِرات» او من رجالات الصف الثاني او الثالث مثل محمد مرسي وخصوصاً رجالات الجناح «القُطبي» الذين تَحكّموا ليس فقط بالجماعة ولكن في مصر كلها, بعد ان ظنوا انها باتت «مزرعتهم» وبدأوا مرحلة «التمكين» تمهيداً لمرحلة «الأستاذية» حيث لم تعد في نظرهم مصر عربية بقدر ما هي اسلامية.. ولهذا لم تكن مفاجئة ولا غريبة تلك التعليقات والتغريدات «الإخوانية» على مواقع التواصل الاجتماعي التي ذهبت الى الشماتة, بعد تبادل التهاني مثل القول «تسلم الايادي التي بتقتل الأعادي»، وغيرها التي استعادت «موقعة» فض اعتصام رابعة مُحمِلة المستشار هشام بركات مسؤولية ما حدث لأنه «افتى» بذلك.
لا ينكر احد ان التكفيريين (اقرأ القُطبيين وانصارهم) قد سجلوا نقطة مهمة لصالحهم, بعد ان تمكنوا من المستشار بركات، وبعد ان افلت الجناة (حتى الآن) من يد العدالة، لكن كما يقال دائماً «الامور بخواتيمها», وما عرفته مصر من عنف الاخوان «وتفريعاتهم» وما تناسل من تنظيمهم السرّي الذي لم يؤمن ذات يوم بالحوار وثقافته, أو يعرف التسامح او يعترف بالآخر، معروفة نهاياته عندما تم «دفن» كل مخططاتهم لاشاعة العنف والفوضى بهدف الوصول الى السلطة وتمرير خطابهم القائم على الاقصاء والاجتثاث واستبعاد الشريك الوطني–مُسلماً كان ام مسيحياً–وقد دلّت تجربة السنة «اليتيمة» التي قضوها في الحكم, على ضيق افقهم وبؤس خياراتهم وتواضع امكاناتهم وتهافت خطابهم.
هزيمة الارهاب في مصر, مسألة وقت ليس الاّ، ويبقى ان تحافظ السلطة في مصر على هامش الحرّيات وسلطة القانون وخصوصاً اليقظة الامنية والجهوزية, دون تعسف او منح فرصة لهؤلاء الخوارج للحديث عن المظلومية والقمع وغيرها من المصطلحات التي يحاولون تغرير الجمهور المصري والعربي والاسلامي... بها.