رغم أن نجوم الفن لا يهتمون بالسياسة ودهاليزها، لكن يبدو أن النجمة العالمية «باريس هيلتون» اضطرت للخروج عن هذا السياق بتصريح نادر ،لخصت فيه حالة العرب الراهنة، حيث قالت لبعض أصدقائها «هل عرفتم لماذا يقتل العرب بعضهم بعضا» ! بعد أن عاشت تجربة مرعبة ، خلال مشاركتها في برنامج «مقالب» تبثه إحدى القنوات الفضائية العربية ، وهو برنامج سطحي كلف الملايين، تقوم فكرته على استضافة فنانين، وإيقاع الضيف في خدعة فجة بأن يستقل طائرة ،وإرهابه بإيهامه أن الطائرة على وشك السقوط ، والمفارقة أن هذه البرامج تضحك ملايين المشاهدين العرب، الذين يتابعونها بشغف ، عبر محطات تلفزيونية عديدة تحقق مداخيل إعلانية عالية من عرضها، وهذا ما أدهش «باريس هيلتون» وخلصت إلى نتيجة، بأن العرب يتفاعلون مع الموت، ويستمتعون بمشاهدة الأعمال التراجيدية ،ليس لقيمتها الفنية بل لما تنطوي عليه من حزن وألم وعنف ،ومن الغريب أن تشكل «ثقافة الموت « مصدر فرح للملايين.
بلاد العرب أصبحت مضرب المثل، في القتل والتعذيب وتشريد البشر وتدمير مقومات الحياة، وهي تضم اليوم أكبر عدد من النازحين داخل بلدانهم ، أو اللاجئين العابرين للحدود البينية مع الدول الشقيقة ، يقيمون في مخيمات لجوء ، أويتوزعون في أطراف المدن والقرى يقيمون في مساكن بائسة ، وبعضهم يفترشون الأرض في ظروف قاسية ، والجميع ينتظر المساعدات الدولية ،أو يتسولون في الشوارع وأمام المساجد والأماكن العامة، لعلهم يجمعون ما يسد رمقهم.
لا يستطيع أي» عداد ذكي» أن يحصي ما يحدث في كل ساعة ،على امتداد الوطن العربي من عمليات قتل وتدمير وتشريد واعتقال وتعذيب وانتهاكات لحقوق الانسان ، فهي تحدث على مدار الساعة خارج القانون والمساءلة،والارهاب أصبح العنوان الأبرز لأمتنا ،سواء أكان إرهاب جماعات مسلحة ،أو إرهاب تمارسه بعض الانظمة ،بدل أن يكون الأولوية للتنمية والتعليم واحترام حقوق الانسان وضمان كرامته،وبالإمكان الإشارة الى ما يحدث في سوريا والعراق واليمن وليبيا ، التي تشكل البؤر الأكثر سخونة ، في حقبة «ازدهار الانحطاط العربي»
جرائم مروعة تحدث فقط في دول تحكمها شريعة الغاب.
قبل أيام صادف اليوم العالمي لمناهضة التعذيب، وبهذه المناسبة سلطت الأضواء على عالمنا العربي، الذي أصبح ساحة مفتوحة لانتهاك حقوق الانسان والاستهتار بسلطة القانون ، وتحول الى مسلخ كبير للبشر ، وحسب أرقام رصدتها منظمة الائتلاف الأوروبي لحقوق الإنسان،، فإن نحو «50» ألف شخص تم اعتقالهم في بلد عربي واحد خلال عامين ، و أن «30» ألفا من هؤلاء تعرضوا للتعذيب، مات منهم «276» شخصا بسبب التعذيب الجسدي، أو سوء المعيشة وغياب الرعاية الصحية في السجون، فضلا عن أحكام الإعدام والسجن التي تصدر بالجملة.
إشكالية سؤال: من يصنع الإرهاب؟ التطرف الديني،أم الاستبداد السياسي! ستبقى قائمة طالما غابت الإرادة السياسية والفكرية عن مواجهة الحقيقة، واستمر العراك بين النخب لتصفية حسابات أيديولوجية وسياسية وفئوية، وكل يحاول احتكار الحقيقة ويشتم الآخر ،لسان حاله يقول «من ليس معي فهو ضدي» ، فيما تواصل أنظمة استخدام فزاعة الإرهاب ذريعة، للتضييق على الحريات وممارسة المزيد من القمع، واستثمار ما يغرق به عالمنا العربي من أنهار دماء، لاستنزاف ما تبقى من روح تفاؤل بثها الربيع العربي، وبالتالي إعادة انتاج معادلة «مقايضة الأمن بالحريات» ،والقول أن الديمقراطية لا تصلح في مثل هكذا ظروف.