خبر واحد يخرجك من دائرة التفكير المحصور برواتب آخر الشهر وإحصائيات آخر العام والأخطار القادمة من الخارج، لأنك ستقف طويلا أمام لائحة أرقام عدد سكان بلدك الأردن الذي قفز خلال خمس وستين سنة عشرون ضعف العدد الذي بدأ به التعداد الرسمي، فالمعلومة «ضربة الكف»هذه يرجع فضلها للمقابلة التي أجراها الزميل أحمد النسور مع مدير عام دائرة الإحصاءات العامة الدكتور قاسم الزعبي.
لماذا ضربة كف؟ لأننا في الأغلب مواطنون ومسؤولون نغط في غفلة طويلة، ونعيش في عالم أحلام اليقظة، وحده الذي يعيش وسط غابة من الأرقام والحسابات والتفريعات والحقائق هو وزير المالية ، لأنه يتعامل آخر النهار مع جداول رقمية هي نتاج التحصيلات والجباية والضرائب العامة والجمركية وأيضا مع المصروفات، ليفهم آخر الشهر وآخر العام الى أين تسير البلد.
حسب مقابلة د.الزعبي لـ«الرأي» فإن عدد سكان الأردن عام 1952 كان 586 الف نسمة، وبرأيي أن المسح السكاني لم يغط كافة مناطق المملكة خصوصا القرى ومناطق البادية آنذاك لصعوبة الوصول اليها، ولكن يعطينا هذا مؤشرا للخلية السكانية الأولى للمملكة ، وللأسف لم يتعامل ذلك الإحصاء مع الخصائص البشرية و السكانية والعمرانية حسب الزعبي ، وذلك لأنها بداية المشروع.
في العام 1961 نُفذ التعداد السكاني الثاني للمملكة بـ«ضفتيها» الشرقية والغربية آنذاك ، وقد بلغ عدد سكان الأردن الضفة الشرقية فقط 900 الف نسمة تقريبا ، وقد اعتمد المسح السكاني على منهجية علمية تعتمد معايير الأمم المتحدة، وهنا نلاحظ أن العدد رغم الوحدة مع فلسطين ارتفع بنفس النسبة العادية أي الضعف لكل عشر سنوات، بينما جاء التعداد الثالث عام 1979 ليزداد عدد سكان الأردن الى 2 مليون و133 الف نسمة دون أن يتضاعف حيث تأخر الإحصاء ثماني سنوات عن موعده ، وباعتقادي أن أحداث أيلول والإضطرابات السياسية والعسكرية التي حدثت عام 1970 وحتى نهاية 1971 كانت أحد عوامل تأخير التعداد ، فيما الملفت تراجع عدد السكان.
وفي قراءة سريعة للتعداد الرابع والخامس سنجد تراجعا في عدد السكان إذا ما قسنا التضاعف كل عشر سنوات ، فالتعداد السكاني الرابع تم تنفيذه عام 1994 أي بعد 15 عاما وفي ذلك العام كانت المواصلات سهلة والطرق متوفرة والقُروية والبدوية أصبحت حالة أكثر حضرية ، ومع هذا بلغ عدد السكان 4 ملايين و139,5 الف ، أي زيادة طبيعية من ناحية المواليد الأردنيين ، خصوصا أن العام 1994 كان قد شهد وصول نصف مليون مواطن عادوا من الكويت ودول خليجية وعشرات الآلاف من العراقيين الذين زحفوا الى الأردن بعد الحرب الأممية على العراق 1991.
إذا ما الذي حدث خلال العشر سنوات الماضية ، لقد تضاعف العدد من 5 ملايين ومائة الف عام 2004 الى 10 ملايين نسمة هم عدد سكان الأردن والذي سيعلن عنه رسميا بعد التعداد الجديد في شهر تشرين الثاني المقبل ، حسب مدير عام دائرة الإحصاءات ، والازدياد في عدد السكان لا يعني أن ذلك خيرا كله بل هو تحدٍ عصيب في ظل هذه الانهيارات المتعددة في النواحي الاقتصادية والإجتماعية والتربوية، والفلتان الأمني والرقابي الأسري، وازدياد معدلات الجريمة التي تقابل ارتفاع معدلات البطالة الى سقوف خطيرة.
ولو استعرضنا بسرعة الوضع السكاني للأردن عام 1952 كنا سنجد أن المواطنين الأردنيين والسكان يعيشون تحت الظروف الاقتصادية بشكل طبيعي ، فلم يكن الفقر قاتلا كاليوم ، فالبشر كانوا يحسنون التعامل مع ظروفهم ، والجميع منخرط في العمل والإنتاج في قطاعات الزراعة والرعي والتجارة والصناعات الخفيفة ، وكانت الموارد الطبيعية تكفي سكان هذه الأرض مع أنها شحيحة، ولكنها «مباركة» فالسر في البركة والعدل والرحمة.
اليوم نشهد وقائع هذا الانفجار السكاني الرهيب دون خطط لمواجهته، فالزيادة المضطردة في العدد مردها اللجوء السوري بعد الحرب المتخلفة هناك وقبلهم الأخوة العراقيين والعمال الوافدون ، وفي المقابل ليس هناك أي استراتيجية لمواجهة الانفجار الضعفي بعد عشر سنوات ، فماذا سنفعل عندما يصبح عدد سكان الأردن 20 مليونا ، فإذا عدد أفراد الأمن العام 65 الف شرطي غالبيتهم في المكاتب ، فمن سيضبط الأمن في الشارع ، وإن لم تنته «القضية السورية» فمن أين ستطعمون وتسقون وتعالجون إخواننا اللاجئين، وإذا لم يرزق الله فمن أين ستأتون بالرازقين ، وبعد أن يموت غالبية الخاضعين لقانون الضريبة فمن أين سيأتي الدافعون، نسأل الله أن يحمي هذا البلد، وأن يبقي سره العجيب فيه.