تعيش مصر هذه الأيام حالة صعبة لا تسر أحداً في أطراف المشهد المصري موالاة ومعارضة، ومن يتابع المشهد يدرك خطورته وآثاره المدمرة على المنطقة برمتها، ويعرف أنّ الذين يدبرون لمصر المكائد والمؤامرات بدأوا يصلون إلى نقطة الصفر واللاعودة، وهؤلاء الذين يخططون للمنطقة منذ عشرات السنين كانوا يعملون الليل بالنهار لتدمير الدولة القطرية العربية بعد أن اجهزوا على مصطلح الوطن العربي وكان لهم ذلك، هذا الوطن المثخن بالجراح والدم والأحزان، واليوم باتت دول ما كان يعرف بالممانعة في حروب داخلية لا حصر لها، ولنا أن نقرأ المشهد بدقة ونعاينه ببصيرة نافذة، وكلها أمام البصر والعين مذ تم احتلال العراق إلى هذه اللحظة والمنطقة تدخل من نفق مظلم إلى نفق أكثر سواداً، وكلها بركات الراعي الديمقراطي لمشروع دمقرطة المنطقة الذي أطل بوجهه الشاحب على المنطقة في عام 2002 حين كان يخطط لاحتلال العراق، وتم تنفيذ مشروع الدمقرطة بالثورات العربية وارتدادتها الكارثية وتدمير الدولة القطرية بيد أبنائها قطعة قطعة حتى عاد الأمر لا يحتمل لحجم المآسي في كل دولة.
واليوم نحن أمام الفتنة الكبرى التي يطمح بها أعداء الأمة لتدمير مصر وتفتيتها والاجهاز عليها بيد أبنائها وتحت بصر العالم وسمعه، ولعل مشاهد الكارثة في العراق وسورية لا تشبع نهم المجرمين الذين يدفعون الجميع إلى هذه الفتنة التي سيدفع ثمنها الشعب المصري ومؤسساته ودوره التاريخي، وهو الأمر الذي يدفعنا نحن أبناء الأمة لوضع أيدينا على قلوبنا خوفاً من نتائج الآثار المدمرة التي لا قدر ستدفعها المنطقة برمتها، وهذا يتطلب جهداً عربياً صادقاً لنزع فتيل الأزمة المصرية، وتحركاً مصرياً واعياً لهذا الخطر الذي قد تكون ردات فعله غير محسوبة، وهو ما يجب تداركه بالحوار، ولا حل لهذه الفتنة غير الحوار والجلوس على طاولة الحوار على اعتبار أنّ الجميع موالاة ومعارضة هم أبناء مصر الذين يحبون وطنهم وهم الخاسرون الحقيقيون، والحوار هو المنقذ الوحيد لعودة الحياة الطبيعية للدولة المصرية، ودون ذلك تتوالد ردات الفعل التي لن تجد طريقاً غير العنف والعنف المضاد، وهو ما تغذيه قوى الظلام والغطرسه الذين استمرأوا اللعب على الحبال كافة في سبيل تعزيز أركان الدولة العبرية في المنطقة، وتسهيل سيطرتها على الشرق الأوسط برمته بمباركة أصحاب نظرية الدمقرطة.
البعد المطلوب في الأزمة المصرية هو الحوار بديل الدم، والطاولة بديل الرصاص والنار، والوعي بديل الفتنة، فهل تعي الدولة المصرية بكافة ألوانها السياسية وأجهزتها وأبنائها ثمن الفاتورة التي ستدفعها لا قدر الله لو استمرت هذه الفتنة. لا نريد لمصر ان تنجرف الى هوة «النموذجين» الليبي والسوري، لأننا لا نقبل لمصر بثقلها وتاريخها ان تكون لقمة بفيه الأعداء الذين يخططون الليل بالنهار في سبيل محاكاة الفتنة والعمليات الإرهابية كما نراها في الدول العربية التي تعيش ويلات الحروب، اقول المخرج الوحيد للمصريين ومصر الحذر والوعي والحوار بين الأطراف كافة؛ خاصة ان الجوع والبطالة والقتل والدماء لا تبني دولا ولا تحمي اوطانا، ولا نريد للنموذج الجزائري في عشرية الدم ان يعود للمشهد المصري وهو امر يجب الا يغيب عن بال الجميع في مصر؛ لان الحرب الأهلية خرابٌ ودمار لا نهاية له ولا رابح فيها، ولذلك على العقلاء وأصحاب الحكمة إنقاذ الموقف قبل الأوان؛ لأننا لا نريد للصوت العالي ان يتسيّد المواقف بين طرفي المعادلة، خاصة أنّ المنتصر في هذه الفتنة العبثية خاسر كبير، الا يكفي مصر وشعبها اقتصادها وظروفها ومؤامرات أعدائها الا يوجد في مصر طرف رشيد يعيد التوازن للجميع كي تخرج الدولة من الفتنة ومآسيها حفظ الله مصر وشعبها ووقاهم شرّ الفتنة وآثارها المؤلمة، وأعاد الله لها استقرارها وثقلها وأمنها كي تقوم بواجباتها تجاه شعبها وأمتها.