علي العنزي
لا نعلم إن كانت مصر هي هبة النيل أم النيل هو هبة مصر، لكن الذي نعلمه هو أن مصر هي رأس العالم العربي، وتحتاج هذه الأيام للوقوف معها حتى تجتاز الأزمة السياسية التي عصفت بها نتيجة لعدم توافق القوى السياسية التي أسهمت في الثورة على الرئيس السابق حسني مبارك، ومن ثم بدأت الخلافات بينها حول شكل الحكم وطريقة التعاطي مع المعطيات المحيطة بالوضع الداخلي والإقليمي والدولي، ووصلت هذه الخلافات إلى حد الاحتكام إلى الشارع لحشد المؤيدين لكل طرف من هذه الأطراف السياسية في محاولة لاستعراض القوة أمام الطرف الآخر. من هنا لا بد من استعراض المشهد السياسي اليوم وما سوف يكون عليه في المستقبل، والأدوار التي تلعبها الدول الإقليمية والدولية في المشهد المصري.
يمكن تقسيم المشهد السياسي قبل ثورة 30 حزيران (يونيو) والآن إلى ثلاث قوى هي: المعارضة، التي تمثلها جميع قوى المعارضة كجبهة التغيير وحركة «تمرد» وحزب النور السلفي وغيرها من القوى المناوئة لحكم «الإخوان المسلمين»، والموالاة التي تمثلها جماعة «الإخوان المسلمين» ومن ينضوي تحتها، والقوة الثالثة هي الجيش التي بإمكانها حسم الموقف لمن تميل لصالحه، ولذلك لا بد من استعراض كل قوة من هذه القوى لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور في مصر.
لنبدأ بقوى الموالاة التي تمثلها جماعة «الإخوان المسلمين» وجناحها السياسي حزب «الحرية والعدالة»، لا شك أنها كانت خلال الثورة على حسني مبارك، وبعد سقوطه وخلال فترة حكم المجلس العسكري، أكثر التنظيمات المعارضة فاعلية وتنظيماً، فلديها الخبرة في المعارضة والعمل السياسي السري والعلني، ولديها صحفها وكوادرها التي استفادت من توظيفها خلال فترة الثورة لتفوز في الانتخابات التشريعية والرئاسية في مصر، لكن بعد فوز مرشحها الرئيس المخلوع محمد مرسي بالرئاسة لم تراجع خططها واستراتيجياتها تجاه الأصدقاء والأعداء، ويبدو أن الخبرة السياسية العملية والواقعية كانت تنقص هذه الفئة، إذ بدأت بالتخبط في بعض القرارات السياسية مثل إلغاء الإعلان الدستوري، وعزل النائب العام، وتحصين صلاحيات الرئاسة، وكل هذه القرارات خلقت نوعاً من الشك والريبة لدى الخصوم، وحتى المتحالفين مع الجماعة، مثل حزب النور السلفي، ونسي فريق الرئيس أن الوصول إلى الرئاسة أسهل من الاحتفاظ بها، فبدأ فريق السلطة بالتصرف وكأنه مستمر في الحكم خلال أربعة أعوام، بغض النظر عن حجم الأخطاء التي يرتكبها، ونسي الجميع أن الذي أوصلهم للسلطة هو الشعب من خلال الاحتجاجات الشعبية، وأسقط الرئيس حسني مبارك ليصبح الرئيس المخلوع الأول، ولم يكن يدور بخلد الجميع أن الرئيس المنتخب بعده سوف يصبح الرئيس المخلوع الثاني، وبعد عام فقط من فوزه في الانتخابات التي أجريت للمرة الأولى في تاريخ مصر، لكنها السياسة.
يعتقد الخبراء أن رفض الجماعة للانخراط بالعملية السياسية الجديدة سوف يفقدها الكثير، ومن الممكن أن تحدث لديها انشقاقات وانقسامات تبعدها من دائرة المنافسة، لذلك عليها أن تراجع قراراتها بدقة.
أما قوى المعارضة، فمنذ انتهاء الانتخابات الرئاسية بفوز الرئيس مرسي، لم تتقبل النتيجة بشكل واضح، فالكثير من قوى المعارضة شكك في النتيجة، وهذا أمر طبيعي في معظم الانتخابات، يشكك كل طرف في فوز الطرف الآخر، لكنها أي المعارضة بدأت تستفيد من أخطائها في الانتخابات الرئاسية بعدم اتفاقها على مرشح واحد، ولذلك حشدت خلال عام قواها على شكل احتجاجات وتظاهرات وأطلقت عليها الكثير من المسميات، كمليونية التصحيح وغيرها من المسميات التي تترافق مع أيام الجمعة، حتى انتهت إلى التخطيط لتظاهرات 30 يونيو التي نجحت المعارضة في حشد الشارع المصري، بغض النظر عن الحجم، فالواضح أنها كانت حركة احتجاجية حاشدة، جعلت الجميع يستنتج أن هناك عدم رضا على أداء الرئيس وحزبه والقوى المؤيدة له، فتجمع قوى المعارضة، سواء من جبهة التغيير، أو حركة «تمرد» التي جمعت نحو 23 مليون توقيع، أو حركة 6 أبريل، وخلق تنسيق بين هذه القوى، أربك الطرف الآخر، أي الرئيس والقوى المؤيدة له. لقد استفادت القوى المعارضة من الإعلام ووظفته بشكل جيد، ويبدو أنها كانت تعمل بشكل مخطط ومنظم، في ظل غياب للطرف الآخر.
بالنسبة الى الجيش فقد كان ينتظر إلى من تميل له الكفة الشعبية، إذ أبدى امتعاضاً من أداء الرئيس وحزبه منذ البداية، وكان يخشى أن يقوم الرئيس بتهميش دوره في الحياة السياسية، خصوصاً أن الرئيس وحزبه من أشد المعجبين بتجربة حزب «العدالة والتنمية» في تركيا بزعامة أردوغان، ما زاد مخاوف الجيش في ظل عدم وجود برلمان وتحصين الرئيس لصلاحياته وإلغاء الإعلان الدستوري، أن يقوم الرئيس بتقليم أظافر الجيش خطوة خطوة، كما فعل أردوغان في تركيا، ولذلك كان الجيش ينتظر أن تقوم المعارضة بالحشد الشعبي الكبير حتى يستطيع أن يتحرك بقوة، فاعتقد أن الجيش منذ أن أطلق تحذيره الأول وهو كان يعلم أن المعارضة سوف تنجح في حشد الشارع في 30 يونيو، سواء من طريق استطلاعات الرأي العام التي تقوم بها جهات مختلفة في مؤسسات الدولة، أو من طريق التنسيق مع هذه القوى، المهم أن قوى المعارضة استطاعت أن تكسب المؤسسة العسكرية إلى جانبها، بينما جماعة «الإخوان» خسرت الجيش وأصبحت على خلاف واضح معه وصل إلى حد الصدام والتهديد المتبادل.
بعد استعراض القوى الثلاث في المشهد المصري، السؤال المطروح هو: كيف ستؤول إليه الأمور في مصر؟ يبدو أن قوى المعارضة كسبت معظم الدعم الشعبي الداخلي، وكذلك المؤسسة العسكرية، إضافة إلى الدعم العربي من دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، إذ أسهمت هذه الدول بمبلغ 12 بليون دولار دعماً لاقتصاد مصر، لتعزيز اقتصادها واستقرارها السياسي، وسوف يكون لذلك أثر كبير على مسار الأحداث في مصر، كما أن المواقف الغربية لم تعارض ما جرى في مصر، ودعت إلى عودة الحياة المدنية فيها، لذلك باستثناء موقفي إيران وتركيا، فإن معظم المواقف الدولية لم تكن معارضة لما جرى في مصر.
دائماً يقال لا تستهن بقدرات خصمك، وكذلك لا تترك فراغاً، فهناك من يعبئ هذا الفراغ.