أخر الأخبار
ماذا بعد الاتفاق النووي ؟!
ماذا بعد الاتفاق النووي ؟!

من أين نبدأ في الحديث عن الاتفاق النووي بين الدول الكبرى وايران ؟
القضية كبيرة ومعقدة ومربكة لأن الاتفاق الذي تحقق هو في الحقيقة اتفاق سلام نووي شكل اختراقا سياسيا دوليا اغلق ملفا مهما، ولكنه في الوقت ذاته فتح ملفات كثيرة وعديدة، وسيكون له تداعيات سياسية واقتصادية اقليمية ودولية كبيرة وكثيرة. ورغم عاصفة الغضب التي هبت على الاتفاق من جهات عديدة، نستطيع القول ان الاتفاق يشكل انعطافا تاريخيا، شئنا ام ابينا، او كما قال وزير خارجية ايران الظريف المبتسم دائما: انه انجاز تاريخي، او لحظة تاريخية، حسب ما قاله الرئيس الايراني حسن روحاني.
لا نريد ان ندخل في التفاصيل لأنها تقودنا الى متاهة لكثرة وجود النقاط والبنود الطافحة بالمصاعب والعراقيل والتعقيدات التنفيذية والالغام. لذلك نتجاوز التفاصيل مع تجاوزنا لموقف الجانب الاسرائيلي العدمي. فرئيس حكومة اسرائيل الغاضب الذي له موقف مسبق، انتقد الاتفاق بشدة قائلا انه « خطأ تاريخي «، اضافة الى قول نفتالي بينت انه « يوم اسود». ولكن الاسرائيليين يعرفون حجم التغييرات التي سيحدثها الاتفاق النووي على الصعيدين الاقليمي والدولي، وعدد الاطراف المستفيدة من هذا الاتفاق، وفي مقدمتها ايران والولايات المتحدة والدول الاوروبية.
بالنسبة للولايات المتحدة، او الرئيس اوباما بالذات، فقد نجح الرئيس الاميركي باعادة ترتيب السياسة الخارجية للبيت الابيض باختراقين مهمين هما: اعادة العلاقات مع كوبا، بوابة اميركا اللاتينية، وتطبيع العلاقات معها وانهاء مرحلة طويلة من الصراع والعداء. والثاني توقيع الملف النووي مع ايران، وانهاء الصراع الطويل معها، بهدف احتوائها وتحويلها من دولة مشاكسة الى دولة لها دورسياسي اقليمي، ولاعب مهم في المنطقة، وشريك في الحرب على الارهاب، اضافة الى انها ستكون من الاسواق الواسعة الكبرى الجديدة بالنسبة للمنتوجات الاميركية. وهذه الانجازات تحسب للرئيس اوباما ولمصلحته وليس ضده، رغم حملة التشويه التي يقودها اركان الحزب الجمهوري ضده للاستفادة منها في معركة الانتخابات الرئاسية.
وعند توقيع الاتفاق ضحك وزير الخارجية الايراني اخيرا وكثيرا، لأنه يدرك مدى استفادة ايران من هذا الاتفاق الذي سيرفع عنها الحصار والعقوبات الاقتصادية والمالية، ويعيدها الى المنظومة الدولية مع احتفاظها بحقها في استخدام المفاعلات النووية للاغراض السلمية والعلمية. وعلى عكس ما اعتقد البعض، ولا يزال، بان الاتفاق سيطلق يد ايران العسكرية والامنية في المنطقة، اعتقد ان الاتفاق سيكون نقطة تحول في مسيرة ايران بانتقالها من دولة ثورية دينية مشاكسة محاصرة، الى مرحلة بناء الدولة المدنية السياسية العقلانية، وهذا يعني انها ستلجأ الى حل مشكلاتها وازماتها بالحوار الهادئ والعمل السياسي، وقد استفادت من تجربتها في مفاوضات الملف النووي الذي انتهى بالحوار والتفاوض.
واعتقد ان التوجه الايراني الجديد سيتمحور حول التنمية وانعاش الاقتصاد بعد الافراج عن مليارات الدولارات المحجوزة في بنوك اميركا واوروبا والصين، اضافة الى العودة لتصدير النفط والغاز وزيادة الانتاج بهدف التعويض، خصوصا تلك الكميات الجاهزة المخزونة في الناقلات الضخمة الراسية قبالة الساحل الايراني، والتي تتجاوز 40 مليون برميل، وسيكون لها اثر كبير على اسعار النفط في السوق العالمي في الافق القريب.
اما الدول الاوروبية وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا ستهرول الى طهران بهدف الفوز بحصة من كعكة السوق الايراني، ومن المتوقع ان لانجد غرفة شاغرة في كل فنادق طهران في الاسابيع القليلة المقبلة.
وفي الختام نتساءل: هل سيكون الاتفاق بداية لاحياء الدعوة لشرق اوسط خال من الاسلحة النووية، وهي الدعوة التي رفضتها الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل ؟