أخر الأخبار
حارات اليهود
حارات اليهود

لا شك ان اعمالا درامية اثارت جدلا سياسيا في شهر رمضان الفضيل.
فحارة اليهود سواء في المسلسل المصري الذي حمل ذات الاسم وقاد بطولته النجم الاردني اياد نصار او السوري باب الحارة، طرحت تساؤلا هاما بين عامة الناس في الوطن العربي، لماذا في هذا التوقيت ولمصلحة من؟.
وهذه الدراما التي رافقت حلقاتها علامات تعجب كبيرة قوبلت بهجوم اعلامي وفني وسياسي يرفض ما راحت اليه فيما يتعلق باليهود العرب. فطرحها دفع للبحث عن ما وراء الأكمة في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها المنطقة. فهل كان الهدف تذويب الدماء البريئة التي روت ارض فلسطين المحتلة من اجل دفع عملية التطبيع الشامل بين اسرائيل والوطن العربي، ام ان الهدف كان تقديم صورة جديدة لطبيعة الصراع العربي الاسرائيلي وحصره بان السرطان الذي تعاني منه الامة العربية هو مشروع صهيوني احتلالي سياسي وليس دينيا.
لا انكر ان هذا الطرح الجديد في الدراما العربية والجرأة في استحضار الهوية العربية لاتباع الديانة اليهودية في فترة الاحتلال الانجليزي لمصر والفرنسي لسوريا نجح في كشف خفايا تاريخية بأن قوى عربية راديكالية كانت سببا في مساعدة الصهيونية العالمية على تهجير اليهود العرب من خلال التضييق عليهم وارهابهم وعزلهم بحكم الدين ليكونوا وقودا لتمدد المشروع الصهيوني واحكام سيطرته على المنطقة من خلال احتلال فلسطين.
كما لا انكر ان هذا الطرح الحساس بحكم التوقيت والمخاض الذي تعيشه بلاد الشام والخليج العربي وارض الكنانة وليبيا وتونس شدني كما شد الملايين من المشاهدين العرب لمعرفة كيف كان يعيش اليهود العرب وهل كان هناك اضطهاد ضدهم قبل ان تفتعل الصهيونية ذلك ايام الاستعمار من خلال ادواتها التي طورت ذاتها في عصرنا الحديث وفجرت الربيع الدموي وانجبت داعش وتنظيمات ارهابية تأكل الاخضر واليابس بثقافتها العمياء.
وايضا، يسجل لهذه الجرأة الفنية التي كسرت تابوها جديدا بعد ثورة العقل على موزعي صكوك الغفران من تنظيمات دينية سياسية احتكرت الاسلام عقودا وسقط القناع عن وجهها يوم انفضحت اطماعها بكراسي الحكم ومحاولتها تكييف حياة الناس وخياراتهم على مقاس اجنداتها وفتاويتها الخاصة لتفتيت الامة وتقسيم دولتها حتى تفقد سيادتها واستقلالها وتلحق في نهاية المطاف بالقوى الدولية والاقليمية التي تنتمي اليها.
وحارات اليهود التي طرحها اثنان من اقوى الاعمال الدرامية في الشهر الفضيل ربط الماضي بحاضر دعوات مكافحة الارهاب ودعم قوى السلام العالمي والتعايش الديني الذي تقف اسرائيل في وجهه لما تمارسه من عنصرية وارهاب دموي وفكري ضد الشعب الفلسطيني بمنعه من حقه الشرعي في اقامة دولته المستقلة.
ما شهدناه خلال 29 يوما ان العلاقة بين مكونات المجتمع العربي كان يحكمها الهوية الخالية من العصبية الدينية والعشائرية والجهوية وان رابطة حسن الجيرة والخبز والملح كانت اقوى من اي رابطة اخرى، وان الاستعمار والمشروع الصهيوني في قلب الوطن العربي نجح على مدى العقود الماضية من تذويب هذه الروح الوحدوية في الاقطار العربية التي تعاني اليوم شر التمزيق والدمار والعنف والفلول المسلحة التي لا يختلف اثنان على ان اهدافها تتناغم مع الصهيونية التي لا هم لها سوى حماية اسرائيل وعنصريتها ورسم خارطة جديدة في المنطقة قوامها تقسيم الدول الكبرى الى كيانات لا تجرؤ على تهديد امن الكيان العربي المستفيد الوحيد من النفق المظلم الذي دخلته دول شقيقة بسبب المغالبة وغياب المشاركة في صناعة القرار.
حارات اليهود التي دخلت في نسيجنا الاجتماعي والسياسي والاقتصادي من خلال شاشات التلفاز يقدم صورة كانت غائبة عن كثير من الاجيال التي قادتها فطرتها العروبية والاسلامية الى رفض التعاطي مع اليهود والتعايش معهم بسبب ما مارسوه ويمارسونه من عنصرية وارهاب في الاراضي العربية المحتلة.
فما اصبحت عليه هذه الاجيال بعد انتهاء ذلك التعايش نشوء كيان يقتل ويبطش ويعمل خلافا لكافة المواثيق الدولية والانسانية لاقامة دولته اليهودية التي لا تقبل بينها اي تابع لديانة اخرى.
ولذلك فهذا الطرح سيكون غريبا بالنسبة لها لانها جاءت بعد ان اصبح الوطن العربي شبه خال من اتباع الديانة اليهودية الذين هاجروا وانجبوا اجيالا ترعرعت على ثقافة تعظيم قتل العرب وخلا تاريخها من ان اجدادهم كان يوما عربا وعاشوا بين المسلمين والمسيحيين بهناء وسلام قبل ان يخط مؤتمر بال خارطة الدم والتقسيم في المنطقة.
ولو ان ذلك التاريخ حاضر عند احفاد من سكنوا حارات اليهود في مصر وسور يا لوجدت مبادرة السلام العربية التي اطلقها قادة الاعتدال العربي اصداء من داخل الكيان المحتل.
ما قدم في حارة اليهود وباب الحارة يؤكد على ان السلام صفة متأصلة في الوجدان والدم العربي ويدعم الجهود العربية التي يقودها الاردن ومصر في دحر الارهاب وانهاء اغتصاب الحقوق الانسانية والتاريخية، وان من انهى هذا التعايش هي الصهيونية وادواتها الراديكالية التي لا زالت عقبة رئيسية في احلال التعايش السلمي على مستوى العالم.
اما الخلاف بين الشرق والغرب سببه الدعم والتغاضي الغربي عن الجرائم الصهيونية ضد الفلسطينيين العزل. ومن لاحظ في الاشهر الماضية ان فجوة هذه الخلافات ضاقت عندما اعترفت مجالس نواب اوروبية بالدولة الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
تحقيق معادلة التعايش السلمي العالمي الذي يعد الاردن نموذجا يحتذى به على مستوى العالم مرهون بحجم الدعم العالمي للشعب الفلسطيني في تمكينه من حقوقه السياسية والسيادية والانسانية والجغرافية.