أخر الأخبار
اليمن.. وإن طالت الحرب!
اليمن.. وإن طالت الحرب!

«العيد» اليمني.. (إن كان ثمة أحد احتفى به في ذلك البلد, الذي قيل لنا أنه كان سعيداً ولم نعرف «عمر» تلك السعادة ولا تحت أي «سلطة» امتلكها, وهل كان «اجدادنا» الذين هم اصل عروبتنا - كما قيل لنا ايضاً - عرفوا تلك السعادة, أم انها مجرد اساطير وحكايات تم تداولها وكتبها بعض الرحالة تزجية للوقت أو الغرق في حال من الهلوسة أو المجون أو الأوهام)..
نقول: العيد اليمني الذي قال بعض العرب أنه رأى «هلاله», كان مجبولاً بالدم والاشلاء الممزقة والخراب, فكان أن التقى اليمنيون في الميادين والساحات, لا لتبادل التهاني والتمنيات الطيبة لبعضهم البعض, بل للتعرف على أعزّائِهم الذين إمّحت ملامحهم وتولى الانتحاريون والقصف العشوائي تغيب باقي اعضائهم, وفقدوا اثر الذين ما زالوا تحت الركام لا يعلمون أعدادهم اللهم باستثناء تلك الروائح التي انبعثت بعد تحلل جثثهم.
لم يعرف اليمنيون في رمضان نوعاً من «الهُدَنْ» التي تم التحدّث عنها, لا في اوائل شهر رمضان, وبالتأكيد ليست تلك التي «أعلنها» مبعوث الامم المتحدة اسماعيل ولد الشيخ احمد,الذي يبدو أن أحداً لم يسمعه أو ان الذي سمع طنّشه واحتسبه على معسكر سلفه جمال بن عمر, الذي لم تغب جولات وساطته عن صدارة الاخبار, لكن الحصيلة كانت «صفرية» رغم ما قيل عن مهنيته وصبره وكياسته وأحياناً ضعفه, لهذا كله جاءت «معارك» عدن في عطلة عيد الفطر اليمني (غير السعيد) لتُعيد «الحرارة» الى الخيار العسكري, وتمنح الاولوية لجنرالات الحرب في الخنادق المتبادلة, ولتُضيء على حجم الاثمان والاكلاف التي سيدفعها اليمن - الدولة والشعب والموقع الجيوسياسي - بعد أن غدا «اتفاق فيينا» جزءاً من مشهد الصراع الاقليمي المُسْتعِر - بأبعاده وامتداداته الدولية التي ستأخذ اعتباراً من الان, منعطفات وجولات من التراشقات المختلفة عسكرية وإعلامية ودبلوماسية و»لَعِب» لا يتوقف على الغرائز والشحن الطائفي والمذهبي, والعمل بلا كلل لاقامة تحالفات واصطفاف قد تكون مختلفة هذه المرة عن سابقاتها, بعد ان لم تعد ايران محاصرة أو خاضعة للعقوبات الخانقة والتي ستبدأ بالتفكك والتبدد, على نحو تدريجي, ما يمنح طهران مزيداً من هوامش المناورة وتوزيع الجوائز ووضع الاشتراطات وبخاصة في وجه الطامعين بجزء من الكعكة الاقتصادية الايرانية الكبيرة والمجزية, التي لن تُضحّي بها طهران بأي ثمن, وستحاول استثمارها على أكثر من صعيد، وفي المقدمة الصعيد السياسي والدبلوماسي الذي سيخصم من أرصدة دول إقليمية جلّها... عربيّة, من أسف.
معركة عدن لم تنته بعد, ويبدو أنها لن تكون حاسمة حتى لو نجح الرئيس المتراجع عن استقالة والمقيم خارج بلاده عبد ربه منصور هادي، في بسط سيطرتهم على كامل المدينة واعتبروها عاصمة مؤقتة لهم, وهبط وزراء حكومة نائب الرئيس خالد بحاح في مطارها، لأن وقائع معركة عدن، اثبتت أن ما يجري في تلك المدينة الاستراتيجية هي معارك كرّ وفرّ، وان اختلالات موازين القوى لصالح هذا الفريق او ذاك, انما هي مؤقتة وغير مستقرة في ظل تبدل مواقف القبائل والكتل الاجتماعية والسياسية والحزبية بعد أربعة أشهر على «عاصفة الحزم» التي يبدو انها لم تحقق أيّاً من أهدافها, رغم ما سبقها من تحضيرات لوجستية مكثفة ورغم ما حظيت به من تأييد في البداية عند بعض الأوساط اليمنية التي تُعادي جماعة أنصار الله ومَنْ واصل ولاءه للرئيس السابق علي عبدالله صالح سواء في أوساط الجيش اليمني واذرعته المختلفة, في أطياف القبائل والعشائر اليمنية وتلك التي تقيم علاقاتها وفق الأنساق والأنماط والتقاليد الدينية والطائفية والمذهبية (والزبائنية دائماً).
ما يحدث في عدن وخصوصاً ما تبثه وسائل الإعلام المؤيدة والداعمة للرئيس المتراجع عن استقالته هادي، يشي بأن الحسم في اليمن بات مُستبعداً إن لم نقل مستحيلاً, وان الاحتدام الراهن للمعارك لا يعدو كونه «تسخين» إجباري تفرضه حال عدم اليقين «الإقليمي», في انتظار تبلور استحقاقات «اتفاق فيينا» الذي ما يزال دويه يتواصل واصداؤه تفتك بـ»الآذان» العربية قبل العيون والاقلام, لأن حماسة «الغرب» لإيران فاقت كل التوقعات والتقديرات التي استند إليها بعض العرب, وثبت انها أوهام وسراب واننا - كعرب - نعيش في اواسط القرن الماضي، أكثر مما ينبغي, وأن الأدوات والمعايير التي تفرض المسارات والمواقف السياسية لبعض العرب, ليست سوى اشارات دامغة, بأن هؤلاء القوم لا يروا أبعد من أنوفهم، وأن الخروج من التاريخ لم يكن مجرد استنتاج أو توقع بل هي حقيقة آخذة من التشكّل والبروز، وبخاصة أن اتفاق فيينا لن يبدأ تنفيذه قبل بداية العام القريب.
هل يستعيد اليمنيون بعضاً من الهدوء ووقفاً لإطلاق النار وربما هدنة إنسانية, لاغاثة الجوعى والثكالى والمصابين والمكلومين؟.
لا داعي لطرح السؤال على اسماعيل ولد الشيخ، فالرجل لا يعلم، أمّا مَنْ يعلم... فهو الله وحده.