عبدالله إسكندر
أين تقع عمليات الاغتيال التي تستهدف قادة ومقاتلين في «الجيش السوري الحر»؟ وما هي الأهداف التي تحركها؟ ولمصلحة من تتم هذه الاغتيالات؟ لقد بات واضحاً، بعدما كان متوقعاً، ان من ينفذ هذه الاعمال مجموعات مسلحة متنقلة تحمل اسماء مختلفة لكنها كلها تسعى الى الانتساب او التماهي مع تنظيم «القاعدة». بعدما قام أعضاء في هذه المجموعات بأعمال مسجلة بالفيديو ومبثوثة على مواقع التواصل، فيها الجلد والقتل وفق «أحكام شرعية مؤصلة»، وفيها مطاردة لفتية ونسوة بـ»حجج شرعية»، وفيها تدمير مواقع تراثية وتحف فنية ورموز تاريخية بحجة «محاربة الشرك». أي أظهر هؤلاء المنتمون الى هذه الجماعات ان «جهادهم» في «بلاد الشام» هدفه تدمير كل ما اختزنه الشعب السوري، طوال تاريخه، وكل ما يأمل به من مستقبل متحرر من التسلط. ان هؤلاء يمثلون النقيض الكامل لما مثله الحراك السوري، ولما يصبو اليه الشعب السوري من وراء التخلص من النظام الحالي.
هذه الصورة عمل النظام السوري بكل ما أوتي من خبرة في الدعاية، مشهود له بها، ليجعلها صورة الحراك الشعبي. فكان المتظاهرون السلميون، بحسب ماكينته الاعلامية، هم الارهابيون المتخفون وراء «بعض مطالب محقة» من أجل النيل من «الممانعة والمقاومة» في سورية. ولا يبرر هذه الحرب التي يشنها النظام في كل البلاد، بشراً وحجراً، إلا بترسيخ هذه الصورة وجعلها صورة سورية المستقبل.
لقد تمكن النظام السوري من ان يزرع في عقول كثيرة، خصوصا في الغرب وأميركا، ان ثمة ارهابيين يقاتلون لإسقاطه. وان نجاح هؤلاء الارهابيين يعني تحول سورية الى افغانستان اخرى، لكن على ابواب الغرب هذه المرة ومن دون قدرة لأي كان على ضبطها. وفي الوقت الذي اندلع ذلك النقاش السياسي المغشوش عن جبهة «النصرة» ومدى قربها او بعدها عن «القاعدة»، وفي الوقت الذي كانت الوية «الجيش الحر» تتلمس سبل التنظيم والتسلح، من دون أي مساعدة، كان النظام يسلط كل آلاته العسكرية من اجل إخضاع السوريين، تدميراً وقتلاً وتشريداً، في موازاة استكمال «القوات المشتركة» (النظامية مع «حزب الله» و»الحرس الثوري»). فلعبت صورة «النصرة» دوراً مهماً في اكتساب النظام لهذا الوقت الثمين.
ثمة عاملان يسهلان المهمة على النظام: الاول هو الموقف الغربي المتردد في حسم استراتيجيته ازاء سورية، والآخر هو استمرار فئة من ذوي القدرة المالية على التبرع، لقناعات دينية، خصوصاً في الخليج لمثل هذه التنظيمات الارهابية.
عندما بدأت صورة «النصرة» كمجموعة ارهابية تتراجع، وتمكنت المعارضة السورية، بشقيها العسكري والسياسي (عبر توحيد هيئة الاركان وتسوية التمثيل في الائتلاف)، من إيجاد صيغ الحد الادنى من اجل الاستمرار في معركة اطاحة النظام، وعندما بدأ التعاطي بجدية اكثر في مسألتي الاعتراف بالتمثيل السياسي للمعارضة وضرورة تعويض «الجيش الحر» بأسلحة تعيد حداً من التوازن على الارض مع قوات النظام وحلفائه، في هذا الوقت بالذات عادت آلة القتل الممثلة بـ «الجماعات» المرتبطة بـ «القاعدة» باستهداف قادة «الجيش الحر». وغني عن البيان ان انهاك «الجيش الحر» بهذا النوع من الاستنزاف، يصب ميدانياً وسياسياً في مصلحة النظام.
والسؤال هنا عن مدى ارتباط هذه المجموعات الارهابية بالنظام، ما دامت تحقق اغراضه. من الصعب تقرير ان هذه المجموعات جزء من أجهزة النظام. لكن تجارب سابقة، خصوصاً في العراق ولبنان، اكدت ان اجهزة النظام كانت تسهل عمل مثل هذه التنظيمات لأغراض السياسة السورية، كما احتضنت ايران عناصر من «القاعدة» فروا من افغانستان للدوافع ذاتها. وأكدت هذه التجارب ان اجهزة النظام (وبالاشتراك مع ايران) حولت وجهة عمل هذه التنظيمات من استهداف الاميركيين الى زعماء «الصحوات» السُنية عندما جاء وقت ارساء المعادلة السياسية الجديدة في العراق... والبقية معروفة. وأمر مماثل حصل في لبنان، بعد الانسحاب العسكري السوري منه، عندما حركت اجهزة دمشق «فتح الاسلام» في مخيم نهر البارد، لتنهك الجيش اللبناني عقاباً على حياده خلال التحركات الشعبية في لبنان، ولإنهاك خصومها اللبنانيين. لقد لعبت هذه التنظيمات التي تعلن ارتباطها بـ» القاعدة» دوراً مهماً في ضرب خصوم النظام السوري وخصوم حلفائه، في العراق ولبنان. وهذا ما تفعله اليوم باستهداف قادة «الجيش الحر» في سورية.