لم تكن هذه الإدارة الأميركية, إدارة باراك أوباما, مرتبكة كما هي الآن بعد توقيع «اتفاق النووي» مع إيران والسبب هو أن الحسابات الشخصية قد دفعت الرئيس الأميركي ومعه وزير خارجيته إلى إنجاز هذا الاتفاق بأي ثمن فالأول أراد أن يسجل قبل رحيله, بعد «18» شهراً, أنه أتى بما لم تستطعه الأوائل وأنه حقق إنجازاً تاريخياً لم يحققه غيره والثاني, أي جون كيري, بقي يحلم بالحصول على جائزة نوبل للسلام ولذلك فإنه أراد ومنذ البدايات إنجاز هذا الاتفاق بأي ثمن .
وهكذا فقد ظن أوباما ومعه وزير خارجيته, الذي تهشم كاحله على طريق المفاوضات الصعب, أن الإسرائيليين سيستقبلونه بأكاليل الغار طالما أنه, كما أعتقد, قد أراحهم من كوابيس حصول إيران على السلاح النووي لكن ظنه هذا قد خاب عندما اكتشف أن فهم بنيامين نتنياهو لهذا الاتفاق يختلف عن فهمه وأن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بالنسبة لهذا الأمر الاستراتيجي الحساس نظرة بعيدة بينما ثبت أنه هو لا ينظر إلى أبعد من أرنبة أنفه .
ربما أن أوباما قد انطلق في التعاطي مع هذه المسألة الخطيرة جداً من أنه سيُفرح الإسرائيليين وسيفرح العرب بتأجيل سعي إيران إلى امتلاك السلاح النووي لعشرة أعوام لكن إذا صح هذا التقدير فإنه يثبت أن هذا الرئيس الأميركي لا يملك أي حسٍّ «استراتيجي» على الإطلاق فالعشرة أعوام والعشرين عاماً بالنسبة لقضية كهذه القضية لا تعني أكثر من رمشة عين وبخاصة بالنسبة لدولة هي الدولة الإيرانية التي لديها تصميم عجيب على سحق كل هذه المنطقة بأقدامها ولذلك فإن لديها كل هذا الإصرار لتكون دولة نووية وبأي وسيلة !!
لقد أرسل أوباما وزير دفاعه أشتون كارتر إلى الشرق الأوسط.. إلى إسرائيل تحديداً وعلى عجل لترقيع ما يمكن ترقيعه لكن ما شاهده العالم كله على شاشات الفضائيات قد أظهر كم أن الولايات المتحدة ,هذه الدولة الكبرى العملاقة, قد «تقزَّمت» أمام بينيامن نتنياهو حتى أصبحت بحجم إحدى جمهوريات الموز السابقة في أميركا اللاتينية وأظهر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي تقصد تلقين الرئيس الأميركي المغادر بعد 18 شهراً درساً لن ينساه على مدى ما بقي له من عُمْرٍ في هذه الدنيا الفانية .
وحقيقة إن غضب العرب المعنيين إزاء هذا الاتفاق البائس لا يقل عن غضب بينيامن نتنياهو والإسرائيليين وهذا هو ما جعل وزير الخارجية الأميركي يقول, من قبيل الترقيع, إن واشنطن تؤكد أنها ما زالت ملتزمة بسياساتها الرافضة لـ «إرهاب» إيران وإن بلاده جادة ورغم توقيع الاتفاق النووي على التنسيق مع مجلس التعاون الخليجي وإعداد إستراتيجية مشتركة لـ «صدِّ» تحركات طهران غير المشروعة في المنطقة .
«أسمع كلامك يعجبني أشوف أفعالك أتعجَّب» ويقيناً, وهذا يجب أن يقال لأصدقائنا الأميركيين وبكل صراحة, أن الثقة بهم في هذه المنطقة العربية باتت معدومة وأن مواقفهم البائسة بالنسبة للقضية الفلسطينية وبالنسبة للوضع السوري وبالنسبة لإيران وبالنسبة للعراق وأفغانستان تجعلنا نشك في كل ما يقولونه لنا وكل ما يعدوننا به .