تتفق الاديان ومذاهبها على فلسفة الخَلق والتوحيد ، ويختلف الاتباع على تفسيرات الاوامر الالهية تبعا لاقوال المفسرين الذين منحوا انفسهم حق التفسير حصريا دون غيرهم فصرنا نعبد الدين او كدنا ، حسب تفسيرات المفسرين والمذاهب الدينية اكثر من مقاصد العبادة نفسها ولعلنا تجاوزنا مقصد الخلق نفسه ولم نعد نعبد الله وفقا لمقصده منا « وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون « ، فغلبت التجارة الدينية على العبادة الالهية ، فالطريق الا الله لا تتم الا من خلال مذهب ديني ضمن اتباع الدين الواحد ، وصار الهدف الديني هو الانتصار لمذهب ولشيخ ضد اتباع مذهب و شيخ آخر . تماما مثل فكرة التعليم التي تجاوزناها وانقضضنا عليها لتصبح الشهادة هي مقصد التعليم وغايته وليست المعرفة وامتلاك العلم كأداة لفهم الحالة او المهنة ، فالشهادة الاكاديمية غاية العلم ولو حصل عليها الطالب بالغش والواسطة وكل اشكال الزيف والخداع او حتى بشراء الشهادة نفسها ، وصارت الوظيفة ايضا غاية العمل حتى لو قضى الموظف سنته غائبا ومتكاسلا ، وينسحب الامر على الرياضة ، فنحن نبحث عن انتصار الفريق الذي نحب حتى لو جاء النصر بالغش او بخطأ تحكيمي ، ويجلس الكثيرون ساعات طويلة لمشاهدة المباريات الرياضية ولا يمارسون الرياضة ولو لدقائق ، فكل مقاصدنا مشوهة ومبنية على اختلال المقاصد والعبث بجوهرها . اختلال المقاصد والالتفات الى الفتاوى الشاذة والمتطرفة انتج العلّة في الفكر الديني العربي ، وصارت فكرة الصراع هي الغالبة على فكرة العبادة فالصراع او الخلاف حول البخاري ومدى صحة ما نُسب إليه أو ورد عنه ، ليست تقرباً إلى الله بقدر ما هو صراع عن من هم المتحدثون باسم الله فلو سقط البخاري، من وجهة نظر فريق، لسقطت سلطة النص وأصبحت أمور الدين مسألة عقلية بحتة يتساوى فيها كل ذي رأى بغض النظر عن الخلفية الدراسية والمعرفية، ولو بقى البخاري، من وجهة نظر فريق آخر، لبقيت سلطة النص وأمكن الدفاع عنه بالنفوذ المهيمن عليه من قبل من يدعون أنهم يفهمون النص أكثر من غيرهم بحكم التخصص والدراسة ، ونفس الامر يمكن سحبه على مفهوم الفقيه او الوليّ عند الشيعة ، فسحب العصمة والرفعة عن الفقيه والولي سيجعل الجميع متساوين وهذا ليس مطلوبا . الله امرنا ان نعبده من خلال اتباع رسله ولهذا نتعبد (أي نقيم العبادات) وفقاً للدين الذي أرسله الله لنا على رسله وأنبيائه الذي هو جوهره التوحيد (لا إله إلا الله)، وقوامه العدل (فكل ما هو ظلم فليس من الدين)، وجوهره الإحسان (بما يحمله من رحمة ومغفرة) وآياته الأخلاق وحسن التعامل مع الناس، وأعمدته العبادات التي تضمن كل ما سبق، وهدفه إعمار الأرض في الدنيا، ورضا الرب في الآخرة وكل دعوة دينية لا تحمل هذه المضامين هي تجارة دينية ، فالصلاة صلة بين الإنسان وربه، الذي صلّى ولم يستشعر هذه الصلة، فهو لم يصلّ حتى إن سقط عنه فرض الصلاة ، ومن استشعر الصلة فهو في صلاة سواء بالدعاء أو بالذكر أو في الرحمة بعباده والحرص عليهم ونصرتهم ضد ظالمهم . نحن بحاجة الى ثورة دينية عمادها محبة الله وليس المتاجرة بالدين ، فكل الاسئلة المطروحة الآن على التيارات الدينية مفتوحة طالما لم تجب على سؤال المحبة ونبذ التجارة ، لأن مقصد الدين التعبد الى الله وليس الانتصار لمذهب او لشيخ .