طريف هذا العالم الذي نعيش فيه، بكل التناقضات التي ينطوي عليها، محمولة على مغريات وقضايا تدعو للاكتئاب وملفات تثير الغضب والجنون والتمرد واخرى تبعث على التفاؤل وتحتفي بالاخلاق والقيم الانسانية والكونية العظيمة والداعية الى الإخاء والمحبة والسلام, وثالثة يعتاش عليها تجار الحروب وملوك الطوائف ولوردات الحروب الاهلية، وتلك التي يتقدم صفوفها مروجو المخدرات والرقيق الابيض وقتل الحيوانات وافساد الاطعمة والمنتجات الغذائية عن قصد وسابق تصميم، عبر ادخال المواد المسرطنة وتلك التي تفتك بوظائف اعضاء الجسم البشري الحيوية , فقط كي يزيدوا من ثرواتهم ويرفعوا من قيمة أسهمهم ويتقدموا صفوف التحالف بين السلطة الاستبدادية ورأس المال المحتكر والمتوحش , على النحو الذي تشهده منطقتنا العربية التي سجلت انظمتها الراهنة ارقاماً قياسية فاقت معايير غينيس المعروفة..
ما علينا..
يعج عالمنا الآخذ في التكاثر والازدياد «عدديا» رغم كل المذابح والحروب والاحتلالات, والارقام المجهولة غير المسبوقة في التاريخ لمبيعات الاسلحة التي تحققها الدول العشر الاولى في التصنيع العسكري والتي تقف على رأسها الولايات المتحدة الاميركية، بما هي اكثر دول رطانة في العالم حول حقوق الانسان والانتصار لقيم الديمقراطية , فيما هي الاولى في التاريخ التي قارفت من الارتكابات وجرائم الحروب والجرائم ضد الانسانية وغزو دول واحتلالها وترتيب الانقلابات وتنصيب القتلة والمجرمين والجنرالات وتجار المخدرات والمافيات على رأس دول عديدة، ناهيك عن انها اول – وربما – آخر الدول التي استخدمت القنبلة الذرية فقط لتجريبها واختبار نجاعتها في القتل، فضلاً عن دعمها للدولة الصهيونية التي هي دولة مهاجرين ومغتصبين مثلها والتي – اسرائيل – تتقدم بثبات على سلم الدول العشر الاولى لمبيعات السلاح وتستعد لاحتلال المرتبة الرابعة على هذا السلّم (الدموي كما يجب التذكير) في هذا العام.
نقول: رغم كل ما يحفل به عالمنا من كوارث ومصائب، ثمة من يريد لفت الانظار الى قضية اخرى ذات بعد انساني بدأت تفرض استحقاقاتها على كوكبنا – وسكّانه – وهي قضية المناخ التي تُعرف نتائجها الكارثية بالاحتباس الحراري، ما استدعى تنظيم «قمم» لمعالجة هذه الظاهرة الآخذة في التجذر في مشهد كوكبنا على نحو لم يعد بمقدور احد تجاوز اثاره، الامر الذي يستدعي بالفعل التركيز على الاسباب وليس الاستمرار في العمل بقواعد «اللعبة»، التي حاولت دول غربية عديدة فرضها على المجتمع الدولي والايحاء بأن المسؤولية في هذا الشأن «مشتركة» الأمر الذي يهدم معايير العدالة ويُشتت الانظار عن الذين تسببوا – وما زالوا – في هذه الكارثة’ متزايدة الاكلاف والمخاطر , والتي تقف الولايات المتحدة وحلفاؤها من الدول الصناعية الغربية الكبرى في مقدمة «المرتكبين» والمسؤولين عن تفاقمها – فضلاً عن الدور «السلبي» الآخر، الذي بدأت «الصين» الصاعدة اقتصادياً ودوراً عالميا، الاسهام به في هذا المجال.
جميل واخلاقي ان يبادر ناشطون في هذا الشأن, للمشاركة في «قمة الضمائر» من اجل المناخ الذي استضافتها باريس قبل يومين , والتي اسفرت عن دعوة قادة العالم الى «التحرك», لكن ما هو جميل وعادل واخلاقي اكثر, لو ان المشاركين سمّوا الاشياء باسمائها وحدّوداً «نِسب» المسؤولية والادوار والمساحات التي يجب ان تتحملها كل دولة في العالم, اذ لا يُعقل أن تكون مسؤولية سلطة رام الله في الاحتباس الحراري, كما دور دولة الاحتلال والاستيطان وما تبعثه مصانعها الكيماوية سواء المتواجدة داخل اسرائيل أم في المستوطنات, من سموم وأدخنة مسرطنة وذات كلفة عالية على المناخ, كذلك الحال بين اليمن الذي يتم تدميره ودور بريطانيا في الاحتباس الحراري.
ثمة سؤال غير بريء: لماذا تم استبعاد «القدس» الواقعة في قبضة الاحتلال والتهويد من لائحة المدن المعروفة بكونها وجهة للحجاج من كل الاديان والطوائف, فيما وُضعت مكة المكرمة ولورد الفرنسية وفاطمة البرتغالية وطوبة في السنغال وامريتسار الهندية؟
مجرد سؤال للذين كانوا وراء مبادرة «الايمان الاخضر.. يتحرك».