لميس أندوني
القول ان عزل محمد مرسي أسقط المشروع الإخواني– الأمريكي- الصهيوني غير دقيق؛نعم وجهَ ضربة قاصمة لفكرة الاعتماد الأمريكي على الإسلام السياسي، في الالتزام وحماية المصالح الأمريكية في المنطقة، لكن لم يفشل المشروع الأمريكي-الصهيوني في المنطقة.
منذ بداية الثورات برزت رؤيتان أمريكيتان للموقف من الإخوان المسلمين:التوجه الذي تبناه البيت الأبيض، بأن وصول الإسلام السياسي إلى الحكم عن طريق شرعية الصندوق الانتخابي، يكسِب شرعية للسياسات الأمريكية ، أو على الأقل يخفف العداء لواشنطن ولإسرائيل في الشارع العربي المسلم.
لكن المراكز الصهيونية واليمين الأمريكي المتصهين، في مجلس الشيوخ و الكونغرس، وقفت وبشراسة ضد البيت الأبيض، وكانت تدعو دائما محمد مرسي ، لتنفيذ شروط معينة ، ليثبت التزاما كاملا بالخط الأمريكي أو يواجه وقفا للمساعدات.
دعاة الخط الأول كانوا يجادلون أن مرسي التزم بإبقاء الحصار على غزة ، واحيانا يصرون أنه سبق الرئيس حسني مبارك، في الإجراءات لمنع تهريب السلاح إلى القطاع، اما دعاة الخط الثاني فكانوا يقولون ان قاعدة الاخوان معبئة عقائديا ضد امريكا وإسرائيل وان هذا هو المحك الحقيقي لمصداقية مرسي.
من هنا يمكن فهم التنافس القطري من جهة و الإماراتي- السعودي، مع وجود تمايز بين الموقف السعودي والاماراتي، في إطار صراع الرؤيتين في واشنطن تجاه الإسلام السياسي ، وبالأخص فوز مرشح الإخوان في مصر وتونس.
الرؤية الأولى دَعَمَتّ نفوذ الدوحة في عالم ما بعد الثورات، على حساب الإمارات والسعودية وبالتالي على مكانة كل منهما في التنافس على الدور الوظيفي في الاستراتيجية الأمريكية.
فالدوحة كانت سباقة، في تقديم الإخوان المسلمين، كممثل للشارع العربي ـ واستعداده للجنوح إلى الاعتدال في مواجهة التيارات المتشددة من داخل صفوف التنظيم وخارجه.
بشكل عام ازدادت كل دول الخليج قوة بعد الثورات ، لامتلاكها الثروة، التي استعملتها لتوسيع تأثيرها السياسي، خاصة أن كل البلاد العربية ترزح تحت ثقل المديونية، لكن فوز مرشحي الإخوان في الانتخابات المصرية والتونسية صب في صالح الدوحة.
دوائر اليمين في واشنطن لم تقتنع أبدا بإمكان الاعتماد استراتيجيا على الإخوان المسلمين،وأخذت بالتذكير بالمقالات وفي شهاداتها أمام الكونغرس، بتجربة أمريكا في دعمها للإسلام السياسي ، خاصة المجاهدين في أفغانستان، وكيف انقلب السحر على الساحر لما تحول هؤلاء إلى ضرب المصالح الأمريكية وصولا إلى تفجيرات 11-9.
المفارقة ان دوائر اليمين نفسها كانت منخرطة حتى النخاع في نظرية توظيف الإسلام السياسي ضد اليسار والشيوعية، والاتحاد السوفييتي السابق، لكنها أخذَت تتحدث عن "خديعة الإسلاميين " لأمريكا فيما اصطلِح على تسميته " الضربة العكسية" ، لوصف انقلاب مجموعات المجاهدين العرب في افغانستان على واشنطن.
المفارقة الأكبر ، أن الكثير من معارضي الإخوان العرب ، وزعوا كتابات اليمين الأمريكي وحتى شعاراته في الصراع مع الإسلاميين،مثل "اوباما يؤيد الإرهاب" ، في مؤشر على الخوف وشدة الاستياء من الإسلاميين ،وأحيانا في مؤشر لمحاولة تيارات سياسية تقدم نفسها بدائل عن الإخوان كحماة مصالح واشنطن في المنطقة.
مراكز الأبحاث اليمينية، وعدد من قيادات مجلس الشيوخ والكونغرس، ومنذ البدء دعوا اوباما الى تغيير توجهه والتحالف مع التيارات "اللبرالية" العربية ،أو غير الإسلاميين، وباشروا بتوثيق علاقاتهم بقوى مناوئة للإسلاميين في كل الدول العربية وفي مصر تحديدا.
أهم معاقل الصهيونية في واشنطن، مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ، كان الأكثر وضوحا في اتصالاته مع النخب العربية المعارضة للإسلاميين، وفي عدائه لتفاهم أمريكي مع الإسلام السياسي، و في تأييده لعزل مرسي وفي رفضه توصيف الخطوة بالانقلاب.
لذا وقع أوباما في ورطة ليس فقط في فشل المعادلة: فواشنطن لا تستطيع ان ترفض نتيجة انتخابات أيدتها، وفي الوقت نفسه فالإصرار ان ما حدث انقلابا، يلزمه بقطع المساعدات الأمريكية عن مصر.
فكان المخرج إعلان شروط ربط الدعم الأمريكي السياسي والمالي، بخطوات نحو "توافق وطني"، يضم الإخوان حتى لا تستعدي واشنطن ألإسلام السياسي وتخسر خيوطها معه:أي ان البيت الأبيض يعيد حساباته في تحديد الأدوات؛ فالقصة ليست إسقاط مشروع أمريكي صهيوني بل في ترشيح أدوات جديدة.