أخر الأخبار
التصعيد التركي ولعبة النار التائهة !
التصعيد التركي ولعبة النار التائهة !

اعتقد اردوغان للحظة انه قادر على ادارة الحرب في سوريا، عبر الحدود والبوابات التركية، ومن خلال دعم وتسليح وتدريب التنظيمات المسلحة، دون ان تصل النار الى اصابعه او الى دياره. ولكن اليوم نستطيع ان نقول ان النار تجاوزت الحدود وعبرت الى الداخل التركي، وأن الطائرات الحربية التركية تشارك في القتال ضد تنظيم داعش ومسلحي حزب العمال الكردي في سوريا والعراق.
وفي الوقت الذي كانت فيه الطائرات التركية تخترق المجال الجوي السوري، وتقصف اهدافها داخل الاراضي السورية، كانت وسائل الاعلام تنقل تصريحات رسمية تركية معلنة عن ضرورة اقامة منطقة امنية عازلة آمنة على الحدود التركية السورية، وهناك نوايا بأن تكون المنطقة العازلة داخل الاراضي السورية، وهو الهدف القديم الجديد للحكومة التركية. وهذا يقودنا الى الشك والريبة بأن السلطات في انقرة تريد استخدام تنظيم داعش كغطاء للمشاركة في الحرب ضد الجيش السوري تحت عنوان دولي فضفاض هو «الحرب على الارهاب».
هناك من يعتقد صادقا وجازما ان التصعيد العسكري التركي في حربه الوهمية ضد داعش، هو مجرد خطوة استباقية لتغيير غربي محتمل في الاهداف والمواقف، هدفها تصدير الازمة التركية الداخلية الى الخارج، وبالتالي خلط الاوراق للتشويش على النوايا الاوروبية، وتوجهها الايجابي القريب نحو الحل السياسي في سوريا.
وهذا الحراك العسكري التركي يأتي ضمن تنسيق تركي اميركي اقليمي ومتزامن مع تلويح اسرائيل بالقيام بعمل عسكري منفرد ضد ايران، والذي وصفه وزير الخارجية الاميركي جون كيري بالخطأ الفادح وسيكون له عواقب وخيمة، رغم ان العلاقات بين طهران وواشنطن ما زالت متوقفة في خان الاسوأ، وتراوح مكانها في مربع الماضي نتيجة عقود طويلة من العداء والكراهية والحشد السياسي والتعبئة الفكرية والثقافية والاعلامية.
الحقيقة ان الامرالواقع الاقليمي في حراك متواصل وسريع. ونحن نقف اليوم امام مشهد دموي معقد تتغير فيه التحالفات كما تتغير المصالح. اعتقدنا لوهلة، وبقليل من التفاؤل، ان اتفاق فيينا النووي سيكون مقدمة لاحياء الحوار من اجل التهدئة، وبالتالي التوصل لحلول سياسية للازمات المتفجرة واولها على الجبهة السورية وكذلك ليبيا واليمن ولبنان، لأن اعادة ايران الى المنظومة الدولية وفك عزلتها ورفع الحصار عنها سيشجعها على تأييد الحلول السياسية واحياء الحوار بين الاطراف المعنية المقبولة، وبالتالي وقف شلال الدم. الا ان التطورات المتسارعة باتجاه مزيد من التصعيد تثير فينا القلق وتبعث على الريبة والخيبة، وتقودنا الى الشك بنوايا واهداف الذين يديرون لعبة النار التائهة في البلاد العربية المشتعلة، والذين اقتربوا من النار اكثر حتى وقعوا فيها، وهذا يعني ان الامور تحتاج الى مزيد من الوقت حتى تصل الى مرحلة الانفراج والتهدئة، رغم التوجهات الدولية الجديدة.
ولكن رغم كل هذا الطحن الدموي، وحجم الاشتباك المحشو بالحقد الطائفي والتخلف والكراهية وشهوة الانتقام، بقي هناك من يتطلع الى الاستقرار والامن والسلام، وهؤلاء يمثلون عنصر الخير الذي سينتصر في النهاية كما في الاساطير والروايات، كذلك هناك من تعب من رؤية الدم يوميا بسبب الموت المجاني، وهو بانتظار صحوة نهاية الطريق، بقليل من الوعي، ويحضرني هنا قول الثائر الاممي تشي غيفارا الذي قال ما معناه: « البلاد الامية الجاهلة يسهل خداعها «... والثائر الحقيقي يقوده الحب الى الحرية والعدالة والانسانية، ولكن اين هو الثائر الحقيقي في عرس الدم العربي دمر البلاد وقتل العباد واساء لكل القيم الانسانية والاخلاقية والدينية والعربية .