لم تبلغ المجموعات السلفية الجهادية في غزة مرحلة تهديد «حماس» ونفوذها في القطاع بعد، لكنها باتت تثير القلق. في اليوم الثالث لعيد الفطر انفجرت خمس سيارات في توقيت واحد، أصابع الاتهام توجهت فوراً إلى» داعش». قبل أيام أقدمت الطائرات الإسرائيلية على قصف بعض المواقع داخل القطاع، بعد إطلاق صواريخ عدة من غزة. منذ أسابيع أطلّ بعض قادة التنظيم في تسجيل مصور ليتوعدوا حركة «حماس» وقادتها بأن يكون مصيرهم في القطاع مشابهاً لما حصل لعناصر أكناف بيت المقدس (المحسوبين على الحركة) في مخيم اليرموك في نيسان (أبريل) الماضي. لا شك أن مثل هذه التهديدات لا تتسم بالواقعية، لأن «حماس» تحكم قبضتها الأمنية على مفاصل القطاع، لكنها قد تثير بعض المخاوف وشيئاً من الإرباك:
1- تدرك «حماس» جيداً أن عناصر» داعش» لا يؤمن جانبهم، فهم يعتمدون في المرحلة الأولى التي ينشئون فيها خلاياهم ومجموعاتهم على أمرين: المهادنة الظاهرية للسلطة الحاكمة أو للأحزاب الموجودة وخصوصاً الإسلامية، حتى تقوى شوكتهم، وتصبح عصية على الاستئصال والكسر؛ والثاني، توجيه ضربات محددة بهدف إثارة الفوضى، وإضعاف السلطة الحاكمة، وهو ما يطلق عليه في أدبياتهم مرحلة الشوكة والنكاية.
2- تحكم عناصر «داعش» أيديولوجية خطيرة جداً، وأخطر ما فيها هو الاعتقاد السائد عندهم بأن قتال العدو القريب مقدم على قتال العدو البعيد. وبما أن عناصر «حماس» في نظرهم كفرة ومرتدون لأنهم لا يحكّمون شرع الله ، لذا فإن المواجهة معهم لها الأولويـة على قتال الاحتلال الإسرائيلي.
3- تنامي نفوذ «داعش» في غزة، يأتي في وقت تسعى فيه «حماس» إلى إعادة ترميم ما دمرته الحرب. وبالتالي، فإن العمليات التي ينفذها عناصر السلفية الجهادية ضد إسرائيل من إطلاق صواريخ أو استهداف جنود، تحرج «حماس» أمام المجتمع الدولي، وتعطي الذريعة لإسرائيل لتوجيه ضربات للقطاع، وربما جر غزة مجدداً إلى حرب لا يريدها أحد الآن.
4- معظم عناصر «داعش» من أبناء القطاع، وجزء من النسيج الاجتماعي، ويعرفون شوارع غزة وأزقتها، وليس من المستغرب أن يكونوا على دراية ببعض مخازن السلاح، والأنفاق، ومرابض إطلاق الصواريخ.
5- طبيعة التركيبة العائلية في غزة، تدفعها للانحياز إلى أفرادها، وحمايتهم إذا ما تعرضوا لأي ملاحقة أو تهديد. وبالتالي فإن أي مواجهة مع أحد عناصر «داعش» قد تمتد إلى صراع مع العائلة، كما حصل مثلاً في حالة ممتاز دغمش، الذي اختلف مع «حماس» بعد أن كان محسوباً عليها، وبدأ بتشكيل حالة عسكرية، خارج نطاق الأطر المعترف بها. وحين تدخلت الأجهزة الأمنية التابعة لـ «حماس» لضرب مجموعة دغمش، آزرته عائلته ورفضت التخلي عنه، ما اضطر «حماس» إلى إبرام اتفاق مع عائلته.
6-قد يسعى عناصر «داعش» إلى زعزعة الاستقرار في شكل مستمر داخل القطاع، لضرب الحاضنة الشعبية لـ «حماس»، وتنفيذاً لبعض الأجندات الخارجية المخترقة للتنظيم.
7- الدعاية الداعشية داخل القطاع لا تفوّت فرصة في التحريض على «حماس» باعتبارها منظمة برغماتية، تهادن الاحتلال، وتبرم مصالحات مع الفصائل الفلسطينية العلمانية، ولا تسعى إلى تطبيق شرع الله (من قتل المرتدين، وإقامة الحدود، وفرض الجزية على المسيحيين). وقد باتت «حماس» تخشى من تأثر بعض عناصرها بهذا الخطاب، في ظل الثوران الداعشي الذي تشهده المنطقة. حيث سجلت حالات انشقاق عديدة خلال الأشهر الماضية، وإن كانت لا تزال محدودة.
8- تنامي قوة الجماعات المتطرفة في سيناء، ومبايعتها لأبي بكر البغدادي، قد يدفعانها للتمدد إلى غزة.
أمام هذا المشهد، تحاول «حماس» احتواء الخطر «داعش». استراتيجيتها في مواجهة عناصره تقوم على أمرين رئيسيين: الأول، الحوار الفكري المكثف معهم من خلال العلماء والمشايخ. بيد أن المعضلة التي يشتكي منها الدعاة هي صعوبة إقناع هؤلاء الشبان، لأن أيديولوجيتهم تقوم على احتكار الحقيقة، واعتبار أنفسهم هم فقط الفرقة الناجية. فهم أصلاً لا يثقون بالعلماء ولا يعترفون بهم، ويعتبرونهم مرتدين وعلى ضلال. أما الطريق الآخر الذي تسلكه السلطة في غزة للحد من خطورتهم، فهو المتابعة الأمنية. حيث تعمل أجهزة المخابرات داخل القطاع على اعتقال كل من تشي تحركاته بأنه بات يشكل تهديداً.
حتى الآن يقول أحد قادة «حماس» في غزة «إن وضع هذه الجماعات لم يصل إلى مرحلة التهديد، وما زال تحت السيطرة. فليس مفاجئاً أو مستغرباً انحراف بعض الأفراد واعتناقهم مثل هذه الأفكار المتطرفة، كما في كل المجتمعات العربية والإسلامية. لكن من المبالغة القول إنهم أصبحوا تنظيماً، فعددهم لا يتجاوز المئتي شخص، ومعظمهم لا يمتلك الخبرة القتالية. لكن في حال اشتداد عود التنظيم أكثر، وثبت تورطه في أعمال أمنية داخل القطاع، فإن الحركة لا خيار لديها سوى استخدام القوة وتوجيه ضربة عسكرية استباقية، وتكرار سيناريو ما حصل مع «جند أنصار الله» في رفح عام 2009.