أخر الأخبار
التشدد والإخوان وصمت الدولة
التشدد والإخوان وصمت الدولة

حتى عهد السبعينيات كانت الحركة الإسلامية الحليف الأبرز للدولة، مع استثناء محطة أيلول إذ سبقها بنحو عام تأسيس قواعد الشيوخ سنة 1969 حين استجاب ياسر عرفات وخليل الوزير لطلب من الحاج أمين الحسيني يتضمن تأسيس قاعدة عسكرية في الأردن تكون مقصورة على مجموعة إسلامية قريبة منه. والسبب وراء ذلك ان الشيوخ من الإخوان رفضوا الجهاد مع أناس لا يصلون ولا يصومون واعتبروهم كفارا وعلمانيين. أُنشئت القاعدة قرب مدينة الزرقاء، وكانت شبه سرية، وضمت أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين مثل عبد الله يوسف عزام ذي الأصول الفلسطينية الذي كانت عودته لعمان عام 1970 ويومها بدأ العمل في كلية الشريعة في جبل اللويبدة قبل ان تنتقل ويكون محاضرا في الجامعة الأردنية، ثم أوفد لنيل درجة الدكتوراة في الفقه من جامعة الأزهر وهناك التقى برموز التيار القطبي داخل حركة الإخوان وتبنى أفكارهم. حين كُشف قاعدة الزرقاء السرية، احتج إقليم حركة فتح في الأردن على هذا التمييز، وعلى هذه الانعزالية بين المقاتلين، وكانت ردة فعل أعضاء الإقليم سلبية جداً، فاضطر صلاح خلف (أبو إياد) مسؤول جهاز الرصد (الأمن) إلى إغلاق القاعدة. وفي الأثر انضم بعض هؤلاء إلى حركة فتح، وسمح لهم، لاحقاً، بإنشاء قواعد منفصلة سـُمّيت «قواعــد الشيوخ» بيــنما آثــر آخرون الانصراف إلى شؤونهم. وفي أحداث أيلول 1970 وقفت قواعد الشيوخ على الحياد في الصراع بين الفدائــيين والدولة. دخل رموز الإخوان بعد ذلك الدولة بشكل آخر، اسحق الفرحان صار وزيرا في حكومة وصفي التل، ثم مع احمد اللوزي كوزير تربية (آنذاك اشرف مباشرة الفرحان على تعديل المناهج) ففصل من التنظيم، وتمت إعادة عبد الله عزام  الذي كان عاد يومها للجامعة الأردنية بعد انهاء الدراسة في مصر وشغل موقعا متقدما في تنظيم اخوان الأردن، كان اسحق الفرحان معتدلا وكان في التربية والتعليم خلال عمله قبل الوزارة رئيساً لقسم المناهج والكتب المدرسية في وزارة التربية والتعليم، ثم مديراً للخدمات التربوية في الوزارة، وذلك من 1964م إلى 1969م. يقول د رحيل غرايبه في مقال له بـ»الدستور» في ذلك الصدد «المعلومة التاريخية الأخرى أن الشيخ عبدالله عزام كان يحتل موقع نائب المراقب العام تحت مسمّى وكيل الجماعة في أواخر السبعينيات، وقد ترأس جلسة المكتب التنفيذي عندما غاب المراقب العام في سفر الى الخارج، واتخذ في تلك الجلسة قراراً تاريخياً بعودة الدكتور إسحق الفرحان الى صفوف الجماعة، حيث قد تم تجميده على إثر مشاركته في حكومة وصفي التل، حيث حمل حقيبتي التربية والأوقاف معا، وقد أثارت اعادته حفيظة رموز التشدد حينذاك وحملوا على الشيخ عزام بشدة..» بين عامي 1976-1978 عين الدكتور اسحق الفرحان رئيسا للجامعة الأردنية، دون أن يحمل رتبة أستاذ، كان ذلك بطلب شخصي من الملك حسين رحمه الله من دولة احمد اللوزي، تم تعديل قانون الجامعة بليلة ليسمح بتوليه المنصب، وكانت الجامعة تمور بالأفكار السياسية، والتجاذب الأيديولوجي، وآنذاك توقف تدريس مادة الفلسفة او جمد قسم الفلسفة (هذا ما يقال ولم يؤكد لي). بقي عبد الله عزام في الجامعة حتى اخرج بقرار قضائي ايده وجوه الشيوخ المتشددين كما يقول د رحيل غرايبة، ومن هناك إلى السعودية فلقائه بابن لادن ثم الجهاد في أفغانستان. في أواخر السبعينيات قامت الثورة الإسلامية في إيران، الهبت حماسة الكثيرين، تأثر الشارع وتغيرت السلوكيات، (هنا يرصد الباحث والتربوي حسني عايش في دراسة له أثر الثورة على مظاهر التدين في لباس طالبات الجامعة الأردنية) آنذاك تغيرت الصورة كليا بعد ثورة الخميني بعام، وانتقل العمل الطلابي اليساري لجامعة اليرموك، قامت الاحداث أواسط الثمانينيات، اختطف الإخوان الحراك الطلابي، وانتهي الامر سريعا وطرد الأساتذة المتهمون بالترويج لأفكار يسارية ومنهم علي نايفة الذي تحتضنه الجامعة الاردنية اليوم كعالم مميز حيث كان من غير المرغوب ببقائهم، وكذلك الباحث العالمي كمال أبو ديب، آنذاك تعاملت الدولة بقسوة مع خصوم الإخوان، وتركتهم في الميدان، حتى اطلت احداث 1989 التي وقفوا ضدها ولم يتضح موقفهم منها إلا بعد أسبوع، ثم دخلوا مجلس النواب الحادي عشر(1989-1993) هناك حصل انقسام أكبر داخل الحركة وزاد التشدد. اوجدت حالة دخول السلطتين التشريعية والتنفيذية والمشاركة فيها صراعا كبيرا، وجاذبية للمكاسب، انقسم الشيوخ وصدرت فتاوى التشدد(فتوى محمد أبو فارس الشهيرة حرمة المشاركة السياسية) وتقدم الصراع ثم ظهرت تنظيمات إسلامية قادها شباب خرجوا من رحم الإخوان، ودخل قسم منهم السجون وافرج عن البعض، ومات البعض، لكن الثابت أن المصرح به للإخوان من انتقاد لسياسات الدولة ومناهجها ومظاهر الفرح والفن والحياة هو أكثر مما هو مسموح لغيرهم حين يتشدد في النقد. أخيرا سمحت الدولة عبر تاريخ طويل بتمكين الإخوان، من ممارسة تصريحاتهم المتشددة وما انتقاد مهرجان جرش والفحيص بانهما مواطن فجور دون رد رسمي إلا إبقاء للدولة في حالة الالتباس والريبة، لأنها تعرف ان هذا النقد يصدر عن غير رشد وتطرف.