الذي ارتكب جريمة حرق الطفل الفلسطيني من قرية دوما الفلسطينية بالقرب من نابلس هو بينيامن نتنياهو شخصياً فهو صاحب هذه الثقافة العنصرية التي تعززت في إسرائيل في عهده وعهد من سبقه من غلات المتطرفين مثل مناحم بيغن واسحق شامير وأرييل شارون وهو صاحب فكرة تحويل الدولة التي يرأس حكومتها إلى دولة يهودية ولليهود فقط وهو المتمسك بما جاء في كتاب والده: «مكان تحت الشمس» الذي يشبه كتاب «كفاحي» الذي كان كتبه أدولف هتلر قبل أن يصل إلى الحكم .
لا يمكن إنكار أن النازيين قتلة وأنهم ارتكبوا جريمة «الهولوكست» التي ذهب ضحيتها يهود أبرياء البعض يقول أن أعدادهم تصل إلى الملايين لكن الأكثر إجرامية من هؤلاء هو الضحية التي قلدت القاتل والتي لم تتعلم من دروس التاريخ وبدل أن ترد على ما فعله هتلر وعصابته بمعاملة الشعب الذي احتلت أرضه بالقوة بالتسامح والتعايش السلمي لجأت إلى الأساليب النازية نفسها ولهذا فإن هذا المجرم الذي قتل الطفل الفلسطيني وحرق منزل أهله وأصاب ذويه بجروح قاتلة بليغة يعتبر نفسه «بطلاً» توراتياً ولذلك فإنه ترك اسمه مدوناً بالأحرف الأولى في مسرح الجريمة .
إن المشكلة الحقيقية تكمن في المفاهيم السائدة في إسرائيل فالمستوطن, الذي جرى تلقينه بأن الضفة الغربية أرضاً يهودية وليس أرضاً فلسطينية محتله وأن الفلسطيني في هذه الأرض غريب وأن الفلسطينيين «أغيار», من غير المستغرب أن يرتكب هذه الجريمة البشعة التي ارتكبت أمس الأول فالأفعال هي نتاج الثقافة السائدة والثقافة التي غدت سائدة في إسرائيل بعد سيطرة اليمين العنصري على الحكم هي ثقافة «نازية» تكره الآخرين ولا يتورع صاحبها عن أن يفعل بالفلسطينيين ما فعله النازيون باليهود وغير اليهود في أربعينات القرن الماضي .
كان من المفترض أن ينتهي هذا الصراع ما دام أن الفلسطينيين قد قبلوا بما يمكن اعتباره المساومة التاريخية لكن ثبت, وبخاصة بعد اغتيال اسحق رابين لتوقيعه اتفاقيات أوسلو واتفاق وادي عربة, أن هؤلاء المتطرفين الذين باتوا يتناوبون على الحكم في إسرائيل لم يقبلوا بهذه المساومة التاريخية وأنهم مصرون على اقتلاع باقي ما تبقى من الفلسطينيين من وطنهم ولذلك فإن هذه الجريمة التي ارتكبها مستوطن ترك اسمه في مسرح الجريمة هي أنتاج هذه الثقافة العنصرية النازية التي ستنتهي بأصحابها بالتأكيد إلى ما انتهى إليه الفاشيون الهتلريون في ألمانيا.
لقد اتضح بل وثبت بأن هذه «الإسرائيل» التي يقودها بينيامن نتنياهو وأفيغدور ليبرمان ترفض أن تكون جزءاً من هذه المنطقة فعقلية «الغيتو» لا تزال تتحكم بهؤلاء المتطرفين ولذلك فإنهم يرفضون المصالحة والمساومة التاريخية مع الفلسطينيين ولذلك فإنهم لا زالوا يتحدثون عن أن الحرب المقبلة «الطاحنة» ستكون مع مصر ولذلك فإنهم يتمسكون بالاستمرار بالاستيطان ويتمسكون بـ «طرد» الشعب الفلسطيني من أرضه الضفة الغربية وغير الضفة .
لا بأس في اللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية ومجلس الأمن الدولي وجميل أن نسمع صيحات الشجْب لهذه الجريمة المروعة التي ارتكبها في حقيقة الأمر بينيامن نتنياهو وليس هذا المستوطن القاتل لكن يبقى أن هذه الجريمة ستبقى تتكرر إنْ لم تُفرض القرارات الدولية على إسرائيل بالقوة وإن لم يتم وقف الاستيطان وإن لم تقم الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي التي احتلت عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية .