بالأمس تساءل الفنان محمد صبحي الكوميدي في ادائه والتراجيدي في وعيه عن سبب الصمت العربي ازاء ما جرى ويجري على مدار اللحظة في فلسطين، فأين ذهب هؤلاء الذين طالما هتفوا لها وسُجنوا من اجلها، وكيف لا يحرك حرق طفل فلسطيني رضيع ساكنا في هذا القبر الجماعي الذي يضم عشرات الملايين من الاحياء الموتى ! ان اضعف الايمان اليوم هو التساؤل وليس المُساءلة، لأن كل ما يحدث ينسب الى نائب فاعل، والافعال تُبنى للمجهول ! من احرق الرضيع علي نشرت له صور وهو يداعب طفله، تعبيرا عن شماتة وسادية لا مثيل لهما في العالم كله . ولو كانت الضحايا الوحيدة للصهيونية الاطفال الاربعة محمد الدرة وخضير وعلي وايمان لكان هذا كافيا لانجاز هولوكوست معكوس، فالضحية إما ان تكون نبيلة وبليغة بحيث تتمرد على تعاليم جلادها او تكون تلميذة نجيبة له، وما يمارسه المستوطنون هو نموذج للضحية الثانية التي تخرجت من جامعات جلاديها وليس من زنازينهم ومحارقهم ! سؤال الفنان صبحي يشملنا جميعا، بدءا من اشقاء وابناء عمومة الرضيع الشهيد الذين ينفقون الملايين على اعراس لها مذاق المآتم وليس انتهاء بمن تشتعل النيران في ثيابهم ولا يشعرون بها الا عندما يتحولون الى رماد، لكنه ليس رماد العنقاء كما في حالة الطفلين خضير وعلي بل الرماد العقيم الذي قال ابن سيار ذات يوم في برقية ارسلها من خراسان الى الخليفة : ارى خلل الرماد وميض جمر ويوشك ان يكون له ضرام لكن البرقيات لا تصل دائما الى المرسل اليه وقد يعيدها ساعي البريد الى من ارسلها، ما دامت الآذان ملأى بالطين والعجين، والاجراس تقرع على طُرشان . ان من لم يتحسس ابنه او حفيده وهو يرى عليّا يتحول الى جمرة لا يستحق ان يكون جدا او أبا لأحد، ومن لم تلسعه تلك النار فهو ضفدع استرالي يغلي في الماء حيّا ولا يشعر بالسكين الا اذا كانت تلامس اسفل جمجمته ! الرضيع الشهيد، وقد لا يكون اصغر الشهداء لأن هناك حوامل استشهدن مع الاجنّة في أرحامهن هو فضيحة كونية وقومية بامتياز صهيوني ... لكن من هان الهوان عليهم كالموتى الذين لا يتألمون اذا سلخت جلودهم مثل الشّياه ! انه مجرد سؤال في الطريق الى ان يصبح ذات يوم مساءلة اخلاقية ووطنية ودينية فمن فرطوا بالحفيد الرضيع سيفرطون بكل ما تبقى !