×

سيذكر التاريخ أن مصر نجحت مجدداً في منع انهيار المنطقة، أمام إعادة ترتيبها وفق المشيئة المطلقة للولايات المتحدة وحليفتها الإقليمية في الشرق الأوسط، إسرائيل، وذلك بعد أن تفردت الولايات المتحدة في قيادة العالم، بعد تفكك وانهيار الاتحاد السوفياتي السابق.
ومصر انفتحت مبكراً فيما وصف بأنه الربيع العربي، أي بعد نحو ثلاثة أسابيع فقط على إطلاق الشهيد محمد البوعزيزي شرارة ثورة الخبز والحرية في تونس، وقبل أسابيع قليلة من تتابع اندلاع الحريق في كل من ليبيا، سورية واليمن، وحيث إن تونس مختلفة من حيث كونها حكمت من قبل نظام «ليبرالي» أسسه الحبيب بورقيبة منذ استقلال تونس السياسي دون إراقة الدماء، عن الاستعمار الفرنسي، وظهرت آثار تلك الليبرالية في الجانب الاجتماعي من الحياة التي تميزت بالديمقراطية الاجتماعية، رغم الاستبداد السياسي، فإن مصر التي قادت حركة التحرر ومن ثم العداء للإمبريالية الأميركية وحلفائها في المنطقة، كان يمكن أن تتعرض لعقاب قاسٍ من الغرب، كما حدث للعراق، ليبيا، سوريا واليمن، لولا أن الشعب المصري أولاً والجيش المصري ثانياً، تصدوا للانهيار الذي انفتحت أبوابه لحظة اعتلاء محمد مرسي العياط، كرسي الحكم في حزيران من العام 2012.
الشعب التونسي حمى ربيعه وثورته من انقلاب اقترب من التحقق، بعد سيطرة نهضة تونس على الحكم، فكان أن تصدت جماهير الشعب التونسي الواعية، ومن ثم صححت المسار في انتخابات عامة، جرت العام الماضي، فيما توحد الشعب المصري، الذي ابتكر عبر «تمرد» مبادرة حجب الثقة عن الرئيس المنتخب، بأكثر من نصف الناخبين، والتي كانت مدخلاً لتنفيذ الجيش لحكم الشعب وإرادته تلك.
في الحقيقة فإنه لا بد من الإشارة بهذا الخصوص إلى أن حكم ثلاثة عقود للرئيس الأسبق حسني مبارك، التي تميزت بالفساد وترهل أجهزة الدولة، كان مشابهاً لأنظمة حكم الفرد المستبد في ليبيا، اليمن، سورية والعراق، لكن استمرار أنظمة حكم ليبيا، العراق وسوريا وكذلك اليمن، في تبني أيديولوجيا «ثورية» قومية / حزبية، ومن ثم مستمرة في مناهضة الغرب الأميركي والأوروبي جعل من تلك القوى الدولية أشد بطشاً على أنظمة تلك الدول، بحيث أصرت على قتل كل من صدام حسين ومعمر القذافي شخصياً، فيما كان الاعتدال السياسي _ خاصة فيما يخص العلاقة مع القوى الدولية والذي أقدم عليه الرئيس المصري أنور السادات _ هو سبب صمود مصر في مواجهة هذه اللحظة!
وفي الحقيقة فإن مسار السياسة المصرية خلال حكم رئيسين تاريخيين متتابعين في الحكم، هما جمال عبد الناصر وأنور السادات، حيث إن الأول كان أحد رموز العالم المناهضة للإمبريالية الأميركية والغربية، يشبه إلى حد بعيد، إن كان فيما يخص رسم السياسة الخارجية أو حتى الداخلية، مسار السياسة الفلسطينية، حيث تتابع على القيادة الفلسطينية كل من الرئيس الراحل ياسر عرفات، الذي كان أحد قادة حركة التحرر العالمي، والرئيس الحالي محمود عباس، الذي يعتبر أكثر اعتدالاً، ولا يعتبر لا عدواً ولا مناهضاً للغرب، بحيث أن سياسته حمت أولاً القضية الفلسطينية من مذبحة سياسية كان يمكن أن تتعرض لها عقب حرب الخليج الأولى، وكان يمكن أيضاً أن تطوى، أو على الأقل أن تحل ضمن سياق إقليمي، بعد أن اعتبرت إسرائيل نفسها قد خرجت منتصرة بعد انتهاء الحرب الباردة.
مصر / السيسي، نجحت في إسقاط أهم حلقة من حلقات تحالف جديد اعتمدته واشنطن فيما يسمى بالفوضى الخلاقة، رغم أن جيوب الإرهاب ما زالت تعبث في سيناء، كذلك نجحت فلسطين / عباس في احتواء حصان طروادة الذي دسته إسرائيل في غزة، عشية انسحابها من جانب واحد عام 2005 من قطاع غزة، رغم أنه لم ينجح حتى اللحظة في إسقاط نظام حكم الانقسام.
من اللافت أن غزة وسيناء المتجاورتين اللتين تبدوان أنهما منطقة فعل سياسي أو حتى منطقة مخطط سياسي قادم، تعد له إسرائيل منذ عقود، تثيران معاً المشاكل لكل من نظام حكم الشعب والجيش المصري، ونظام حكم المشروع الوطني الفلسطيني، بالاتكاء على جماعات سياسية إسلامية، في مقدمتها حماس التنظيم الإخواني الفلسطيني، كذلك ما يسمى ببيت المقدس، التي هبت لنجدة نظام حكم الإخوان المتهالك في مصر!
هذا يكفي للإشارة إلى أن جماعات الإسلام السياسي وفي مقدمتها الإخوان المسلمون، ما زالوا يعتبرون ذخراً للإمبريالية العالمية التي طالما خدموا مشاريعها وسياساتها في محاربة السوفييت وحركات التحرر العالمي، لذا فإن التاريخ سيسجل مدى الشجاعة والبطولة المتمثلة في إفشال هؤلاء في مصر وفلسطين.
وحيث إن مصر بدأت تشرق كشمس للعرب جميعاً منذ عهد محمد علي باشا منتصف القرن التاسع عشر، بعد أن دشنت واحداً من أهم المشاريع الاقتصادية في العالم، ها هي تؤكد دورها بتوسيع القناة ذاتها، لتؤكد أنه رغم نجاح العدو في تخريب العراق، سورية، ليبيا واليمن، إلا أن صمود مصر سيعني استمرار رفع راية العرب عالياً.