عندما «يعترف» باراك حسين اوباما بأنه لا يذكر زعيماً اجنبياً تدخّل في السياسة الاميركية كما يفعل نتنياهو, فإننا هنا أمام تصريح «فانتازي» بامتياز, لرئيس أقوى دولة في العالم, يعرف كل العالم أن اسرائيل لم تكن لتبقى أو تستمر في الوجود طوال «67» عاماً, لولا الدعم الاميركي غير المحدود لهذه الدولة, التي اقيمت على أرض ومستقبل الشعب الفلسطيني والتي شكّلت على الدوام حاملة طائرات أرضية اميركية, ولعبت دور كلب حراسة للمصالح الاميركية الامبريالية وتواطأت معها كل الادارات الاميركية, موفرة الحماية اللازمة لها على اكثر من صعيد, كي تبقى اقوى من كل الدول العربية وخصوصاً ودائماً خارجة على القانون, ووصل الامر بالنفاق الاميركي حدوداً غير مقبولة في تبرير كل عدوانها وعربدتها وغطرستها ودمويتها وما قارفته من جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب, كان الاميركيون بمثابة مظلة أمان لاجرامها, تارة بالفيتو في مجلس الامن وطوراً في مدّ جيوش الاحتلال بالاسلحة الاميركية الجاهزة للدخول في المعارك, كما كانت الحال في حرب اكتوبر 73 وتسترت على ترسانتها النووية واختارت لها تسمية تفيض تضليلاً وخداعاً للعالم أجمعها أسمتها سياسة الغموض «النووي», وسوّقت لدول العالم مقولة عتاة الصهاينة بأن اسرائيل لن تكون البادئة بادخال السلاح النووي الى المنطقة, فيما كل التقارير ومصادر وكالات الاستخبارات الاميركية تؤكد حيازتها لأكثر من مائتي قنبلة نووية, والأكثر اهمية من كل ذلك ان اسرائيل قادرة على توجيه ضربة انتقامية (نووية بالطبع) في حال تعرضت لهجوم نووي مفاجئ.
هنا يسقط باراك اوباما في الاختبار ويمنح لنفسه صفة البطة العرجاء حتى قبل أن يبدأ ماراثون الانتخابات الرئاسية الاميركية, عندما يشكو رئيس وزراء اسرائيل (علناً), لكنه يُبدي عجزاً واضحاً ازاء «الرد» على هذا التدخل الفظ والوقح في الشأن الاميركي, لأنه غير قادر عليه أو ربما غير راغب, بعد ان سُمِحَ لاسرائيل ان تكون مُقرّرة في الداخل الاميركي وبعد أن قبلت النخبة «السياسية» الاميركية ان يكون اعتمادها السياسي والتشريعي في مكاتب ومؤتمرات «الايباك» وبعد أن أعلن اصدقاء اسرائيل في البيت الابيض وفي الكابيتول هيل حيث مجلسي الكونغرس، انهم يعتبرون أمن اسرائيل جزءاً من الأمن القومي الاميركي ودائماً في منحها «مكافأة» على عدوانها، بل وتدخلها في الشؤون الاميركية، وتعلّم اوباما نفسه-على جلده-عندما وقف نتنياهو الى جانب المرشح الجمهوري ميت رومني ضد اوباما في التجديد لنفسه ولاية ثانية, ثم تمت الصفعة الاقوى عندما دُعيّ نتنياهو كي «يخطب» في مجلسي الكونغرس ضد الاتفاق الاولي مع ايران حول برنامجها النووي (في لوزان) من وراء ظهر اوباما، الذي لم يخجل عندما ابدى لرئيس حكومة اليمين المتطرف في اسرائيل خنوعاً واستخذاء، وهنأه على نجاحه في انتخابات 17 اذار الماضي ثم عندما دعاه لزيارة البيت الابيض وها هو يستعد لاستقباله قريباً على ما تقول الصحف الاسرائيلية ذاتها.
لا يبدو أن اوباما يعرف «العنوان» الذي سيوجّه او يسجل «شكواه» ضد نتنياهو بعد ان خرج «ستة» شيوخ ونواب «يهود» من الحزب الديمقراطي على ارادته واعلنوا انهم لن يؤيدوا الاتفاق مع ايران، ناهيك عن اولئك المتصهينين في الحزبين الجمهوري والديمقراطي الذين يقدمون المصلحة الاسرائيلية على المصلحة الاميركية والذين يسمّون في الولايات المتحدة «Isreal Firsters» لكنهم رغم ولائهم لاسرائيل اولاً, فانهم يحظون بتربيت على الكتف (والقبلات ايضاً) من سيد البيت الابيض واصحاب القرار في الادارة الاميركية بشقيها السياسي والعسكري.
عندما خرج الاستاذان الجامعيان المرموقان, ستيفان والت عميد كلية جون كنيدي للعلوم السياسية وجو ميلشماير من جامعة شيكاغو بكتابهما/ الدراسة الموثقة/ حول الهيمنة اليهودية على القرار الاميركي، أعلن انصار اسرائيل من يهود ومتصهينين وامبرياليين في الغرب الاستعماري وخصوصاً في الولايات المتحدة, الحرب عليهما ووجهوا لهما اتهامات بمعاداة السامية وكراهية اليهود والتشهير بهم وغيرها من الاوصاف والتهديدات الى حد اهدار دمهما في النهاية.
هنا يقترب اوباما من «الدائرة» التي وقف فيها والت وميلشماير، لكنه اكثر جبنا وتواطؤاً ومدعاة للشماتة منه الى اي شيء اخر, لأن مؤلفي كتاب الادانة, كانا اكثر شجاعة من رئيس الولايات المتحدة, الذي لا همّ له سوى استرضاء اصدقاء اسرائيل ونيل بركاتهم وخصوصا في مهادنتهم حتى على حساب كرامته الشخصية ومكانة بلاده ومصالحها التي تزعم انها تقود محور الاخيار في مواجهة محور الشر.
فأين يقع نتنياهو من هذين المحورين؟ ثم ماذا سيحصل لاي زعيم اجنبي (ولنفترض انه عربي) لو انه انتقد الولايات المتحدة او غمز من قناتها او عرّض مصالحها للخطر؟
السؤال ليس لاوباما بل للعرب أنفسهم.