باتت الأزمة المالية التي أعلنت عنها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين تهدد أهم وأكبر البرامج التي تقدمها الوكالة للاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمس (الضفة الغربية وقطاع غزة, الأردن, لبنان, سوريا)وهي المناطق التي شُرد آلاف الفلسطينيين اليها عقب النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني عام 1948م كنتيجة طبيعية للحرب بين العصابات الصهيونيةالتي هدفت للاستيلاء على الأرض وطرد سكانها وبضعةجيوش عربية مهترئة تابعة لأنظمة عربية هزيلة غاية في التخلف والرجعية.. ورغم تكون المجتمع الدولي الجديد عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية,
والمعبر عن مرحلة صراع بين قطبين رئيسيين رأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية واشتراكي بزعامة الاتحاد السوفيتي, الا أن القطبين قد بادر كل منهما للاعتراف بدولة اسرائيل وبشرعيتها على الأرض التي سيطرت عليها العصابات الصهيونية, وكحل لملحقات الحرب ومضاعفاتها على الصعيد الانساني والأخلاقي وجد المجتمع الدولي ضالته بإنشاء وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين عبرقرار الأمم المتحدة رقم (302) لعام 1949م, وكان القرار معبرا عن حالة العجز التي اتسم بها المجتمع الدولي في عدم قدرته على الزام الدولة الصهيونية الوليدة بعودة اللاجئين الى ديارهم,
وبالمقابل قبلت إسرائيل بهذا القرار كونه في الفهم الصهيوني عامل من العوامل المساعدة على توطين اللاجئين في البلدان العربية, والأدهى والأمر أن اسرائيللجأت بعد ذلك الى تحميلالدول العربية مسئولية استمرار مشكلة اللاجئين, لأسباب متعلقة بتأكيد تمسك العرب بحق العودة, ورفضهم توطين اللاجئين, حتى وصل الصلف والعنجهية اليهودية بمطالبة رئيس وزارء اسرائيل بنيامين نتنياهو الدول العربية بضرورة مساهمة الدول العربية في توطين اللاجئين وأن العرب هم المسئولين عن عدم ايجاد حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين حتى اليوم,
وإن اشتراك هذه الدول في توطين اللاجئين في أماكن تواجدهم الحالية, يعتبر اختباراً لمدى التزاماتها بإنهاء النزاع مع إسرائيل, أي انه أصبح شرط اسرائيلي لإحلال السلام بالمنطقة, وفي ظل الوضع الاقليمي البائس الذي تحياه وتعيشه الشعوب العربية بشكل عام والشعب الفلسطيني بشكل خاص من انقسام وتشرذم وتفتت, انعكست أحداث الاقليم واهتزازاته بشكل مباشر على الصراع العربي الصهيوني لاسيما في القلب منه قضية اللاجئين الفلسطينيين. فها هم الباحثين الصهاينة يكتبون ويصرحون بملئفيهم أن استمرار عمل الأونروا يعني استمرارية وجود مشكلة اللاجئين
, وأنه حان الوقت لإنهاء وتصفية هذا الاسم وما يعنيه, فاسم الاونروا بات يقلق مراكز الأبحاث والدراسات الاسرائيلية وبالتالي دوائر صنع القرار فيها,فالتبرير الاسرائيلي يقوم على ان اسم الأونروايُذكر بأن هناك قضية لاجئين لم تحل بعد... رغم مرور عشرات السنين, واسرائيل هي السبب والمسبب معاً في ذلك, في حين أن هناك قضايا انسانية ملحة أكثر وأقسى بدرجات كبرى ويجب أن تسلط عليها الأضواء ويهتم بها المجتمع الدولي وهي قضية اللاجئين السوريين مثلا, وأعمال القتل والذبح بين التيارات المتصارعة فيها لا سيما ما تقوم به داعش في سوريا والعراق شاهد على ذلك, هذا التبرير يبدوا أنه وجد آذان صاغية في بعض البلدان الاسكندنافية التي أخذتبمنح حق اللجوء الانساني للسوريين في المهجر, والذي يعني أولا وبشكل مباشر وقبل كل شيء تحقيق الهدف السياسي القاضي باستمرار الأزمة السياسية السورية والاستفادة من الطاقة البشرية السورية في تغذية القارة العجوز بما تحب وتهوى.
في حين تنظر تلك الدول وهي المانح الرئيسي للأونروا بعد الولايات المتحدة الامريكية بضرورة اجراء تقليصات في أهم قطاع من قطاعات عمل الوكالة الدولية, وهو برنامج التعليم والذي يشمل مئات المدارس التي تحوي آلاف الطلبة والتلاميذ والصبيان الذين لا ذنب لهم سوى كونهم وجدوا على أرض غيبها الراعي السياسي الدولي لصالح تحقيق الحلم الصهيوني, فحقهم بالحياة والتعليم والأمن والسلامعلى أرضهم لم تعد تتلائم ونمطية تفكير الدول الغربية بطبيعة المرحلة السياسية الجديدة بالمنطقة,فليس منطقيا أن تكون الدول الصناعية الكبرى عاجزة عن تقديم حفنة من مخلفات مصانعها لسد العجز المزعوم في موازنة الأونروا والذي يقدر (بمئة مليون دولار),
أ الى هذا الحد وصل الاستخفاف بعقول الأمم (شعوب العالم الثالث) والتي ليس من الأمم المتحدة في شيء سوى في صندوق المساعدات الاغاثية بمختلف تشكيلاته الاقتصادية والاجتماعية والصحية والانسانية والحقوقية, أما الحقوق السياسية وهي الأب الروحي والفعلي لكل الحقوق السالفة فتبقى غائبة ومغيبة, فكافة الدول الكبرى وهي المشرفة على صناديق الاغاثة الدولية لم تسطع الزام اسرائيل بتنفيذ القرار الأممي رقم 194 والخاص بعودة اللاجئين الفلسطيني الى مدنهم وقراهم التي هجروا وطردوا منها, وباتت هذه الدول تساوم الفلسطينيين على حق مكتسب للبشرية جمعاء وهو (حق التعلم) بل هو الحق في الحياة أسوة ببقية بني البشر,وأمسى الشعب الفلسطيني شعب ضُيعت حقوقه السياسية بين أروقة الأمم المتحدة وزوايا مجلس الأمن الدولي,
وهو ما زال يسعى ويكافح لتحقيقها بكل السبل والوسائل المتاحة, ولكن لا جدوى في ظل عدمتوفر الحليف الدولي القوي والوفي لهذه القضية, وبالأحرىعدم وجود ارادة دولية حقيقية هادفة لتحقيق العدل والمساواة أو حتى رد الحقوق لأصحابها, بل تحاول نزع أبسط الحقوق الانسانية والقائها في مهب رياح التغيير السياسية التي تجتاح المنطقة, وليتحقق ما سعت له اسرائيل وأعوانها التاريخيين طالما لم تتوفر الارادة العربية الموحدة والفلسطينية الواحدة التي باستطاعتها قلب السحر على الساحر لو ارادت فعلا تحقيق ذلك.
ولقد جاءت الحلول الجائرة من الأونروا لحل العجز بالميزانية والهادفة بشكل او بآخر لتصفية عمل الوكالة الدولية رويداً رويدا عبر اعتماد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين قانوناً يتيح لمفوضها العام منح موظفينالأونروا إجازة بدون راتب لمواجهة العجز المالي، وهو إجراء سياسي بالدرجة الأولى وغير منطقي وعير قانوني وسينعكس سلباً على أكثر من 20 ألف معلم ومعلمة في مدارس الوكالة، إضافة الى أنه يتعارض مع القوانين المعمول بها في الوكالة والتي تنص على عدم جواز سن أي قانون مجحف بحق الموظف أو ضد أمنه الوظيفي أو يخلق اجواء توتر العمل وتشوشه بالمؤسسة الدولية.
وتقوم خطة المجتمع الدولي (الأونروا) على خلق الأزمة والبحث عن حلول مجتزأة ومؤقتة حالياً, ولاحقا محاولات تسريب واستيعاب الطلبة الجدد فيالمدراس الحكومية سواء بأراضي السلطة الفلسطينية أو لبلدان دول الطوق مع إغراء هذه الحكومات بتوفير الدعم والمساعدات المالية من قبل بعض الدول المانحة, ولسنوات قليلة قادمة يتلاشى برنامج التعليم بالأونروا, ويبقى البرنامج الصحي وهو برنامج متواضع مؤسس على قيام مركز صحي واحد بكل مدينة فلسطينية يقدم خدمات صحية وعلاجية للاجئين وموازنته معدة سلفاً بما تفيض به شركات الأدوية العالمية عن حاجتها المالية وتتبرع به للجمعيات والمنظمات الانسانية ليتم خصمه من الملف الضريبي للشركة,أما برنامج الشئون الاجتماعية فطالته التقليصات منذ أمد بعيد الى أن أصبح يشمل بعض الأسر الفقيرة والمعورة تقدم لها الأونروا المواد الغذائية الأساسية كل ثلاثة أشهر مرة واحدة فقط, بعد أن كانت تقدم الإعانة الغذائية لعموم اللاجئين الفلسطينيين.
ومما سبق نجد هناك ضرورة لخطوات حاسمة ومصيرية ومعبرة عن رفض الكل الفلسطيني لخطوات تصفية الوكالة الدولية من خلال:
-ضرورة تكاثف كافة الجهود الحزبية والفصائلية لرفع الصوت عاليا جدا ضد محاولات تصفية الأونروا.
- قيام السلطة الفلسطينية عبر وزارة الخارجية وسفرائها بكل الدول لشرح أبعاد ومخاطر محاولات تصفيةالأونروا.
-الدعوة لعقد جلسة طارئة لجامعة الدول العربية وتفعيل القضية على المستوى الاقليمي والدولي.
- قيام المسيرات الشعبية في كافة أماكن الشتات واللجوء الفلسطيني المنددة بخطوات المجتمع الدولي بتصفية الأونروا.
- عقد المؤتمرات والندوات من قبل مراكز الدراسات والأبحاث العربية والفلسطينية والخروج بتوصيات ملزمة للمستوى السياسي.
- قيام الجاليات الفلسطينية وخاصة في دول العالم المختلفة بحشد وتنظيم المسيرات المنددة بصمت المجتمع الدولي على الأزمة المالية المفتعلة للأونروا.
اضافة لرفض تسجيل الطلاب اللاجئين الجدد في العام القادم بمدارس السلطة الفلسطينية والحكومية بدول الطوق لوضع المجتمع الدولي أمام مسئولياته الحقوقية والأخلاقية.